على غير عادة الزعماء الأوروبيين الذين اعتادوا على تناول التنظيمات الإرهابية والتهديدات المتعلقة بالمنظمات الإسلامية الراديكالية وخطرها على أوروبا، صوَّب الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” سهامه باتجاه حركات ما يعرف بالـ “الإسلام السياسي” والتي تمثل بسوادها الأعظم جماعة الإخوان المسلمين الذراع الأقوى فيها، التي اعتبرها “ماكرون” حجر عثرة حقيقي أمام عملية اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي.
سهام “ماكرون” ورياحه لم تقتصر فقط على توجيه التهم لها فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى التعهد بمحاربة تلك التنظيمات داخل فرنسا، خلال اجتماعه الذي عقده مع أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في البلاد، ما يشير وفقاً لمراقبين؛ بتطور جديد في شكل العلاقة أو العداء “إن صح التعبير” بين الحكومة الفرنسية، والتيارات الإسلامية عموماً، داخل وخارج فرنسا، وتحديداً في المنطقة العربية التي تشهد صعوداً وظهوراً لتلك التيارات، لا سيما في تونس وليبيا، بالإضافة إلى تركيا.
تبدل الخطاب الفرنسي، أو بالأخرى توجيه بوصلته نحو الجماعات الإسلامية التي تنشط في مجال السياسة، والتي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أكبرها وأكثرها تصدراً للمشهد، يوحي بقلق عام داخل الحكومات الأوروبية من سعي تلك التنظيمات لخلق مجتمعات منطوية داخل المجتمعات الغربية، فيما تقول تحليلات المراقبين؛ تشكيل كيانات وكانتونات داخل هيكل الدولة، واستخدامها كأوراق ضغط ضد الحكومات الأوروبية لصالح أجندات ومخططات معينة، وعلى رأسها إجبار تلك الحكومات على التعامل مع الواقع الذي تسعى الأحزاب الإسلامية فرضه على بعض الدول العربية، كما هو حال حركة النهضة في تونس، وحكومة الوفاق المدعومة إخوانياً في ليبيا.
وأضاف المحللون: “في خطاب ماكرون يمكن استحضار التجربة الألمانية مع حزب العدالة والتنمية التركي المحسوب على الإخوان المسلمين، والذي تمكن عبر استغلال الدين من تحويل شريحة كبيرة من الألمان أصحاب الأصول التركية، إلى مجموعات تتحرك وفقاً للأجندة الخاصة بحكومة الحزب، خاصةً وأن الجميع تابع قضية اللاعب الألماني من أصل تركي “مسعود أوزيل” وصورته مع الرئيس أردوغان التي فجرت أزمة حقيقية داخل الأوساط الرياضية، تحديداً أن الصورة جاءت في وقت كانت العلاقات آخذة بالتأزم بين أنقرة وبرلين”، لافتين إلى أن اختيار الرئيس الفرنسي للحديث عن الإسلام السياسي وحركاته بحضور وفد من الأئمة المسلمين هو مؤشر من قبل “سيد الإليزيه” على ضرورة الفصل بين الإسلام كدين والإسلام كمطية لأجندات سياسية.
قوة تأثير الحركات الدينية الإسلامية على الجالية المسلمة في أوروبا تحت شعارات تدغدغ المشاعر، كان واحداً من الأمور التي تطرق لها المراقبون خلال تحليلهم لخطاب ماكرون، مشيرين إلى أن وجود ملايين المسلمين في عموم الدول الأوروبية، قد يجعل منهم هدفاً للكثير من المنظمات الإسلامية الباحثة عن السلطة خارج دول الاتحاد.
أي أن “الكثير من الجماعات الإسلامية طامحة للانفراد بالحكم في الدول العربية والإسلامية، وبالتالي فإن السيطرة على تفكير شرائح من أبناء الجالية الإسلامية في أوروبا سيمنح تلك الجماعات أوراق ضغط وطوابير تتحرك بأمرهم، وهو ما يمكن أن يستخدموه للحصول على دعم دولي لأنظمتهم في المنطقة العربية، وهو ذات السبب الذي يجعل من المسلمين في أوروبا هدفاً لأجندات سياسية دينية”.
أما المقاربة الأخطر بالنسبة للحكومات الأوروبية عموماً، تكمن من وجهة نظر المراقبين، بما ستقود إليه تصرفات وسياسات التنظيمات الإسلامية من تعاظم نشاط اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية على الجانب الآخر من المعادلة الأوروبية، لا سيما في فرنسا التي شهدت خلال الأشهر الماضية صعوداً قوياً لليمين بزعامة “مارين لوبان”، مضيفين: “القلق من نجاح حركات الإسلام السياسي بالنسبة للأوروبيين يكمن أيضاً في ردة فعل الناخب الأوروبي الذي قد يلجأ مع تفاقم دور التنظيمات الإسلامية وعدم اندماج المسلمين في المجتمع؛ إلى الخيار اليمني في الانتخابات كواحدٍ من الحلول المطروحة لمواجهة ذلك الدور، لتدخل بلدان القارة كاملة في دوامة سياسية قد تتطور فيما بعد إلى صدامات مباشرة وإراقة دماء حتى وإن تم ذلك على نظاق محدود”.
كما اعتبر المحللون تصريحات “ماكرون” حول الأحزاب الإسلاموية بمثابة إعلان حربٍ سياسية، سيحاول من خلالها الرئيس الفرنسي قطع الطريق على تلك الأحزاب عبر القوانين والأنظمة الحالية، قبل أن تجد الحكومة الفرنسية أمام مشكلة داخلية جديدة قد تزيد من أزمتها.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي