زاوية مينا
هي الحرب التي لا يرغب أحد فيها، تماماً كما هي الحرب التي لا يقدر أيّ من أطرافها الانسحاب منها.
“حماس” التي بادرت إلى الحرب عبر “طوفان الأقصى”، لم تحسب للرد الإسرائيلي وشهية الدم عند بنيامين نتنياهو، وبنيامين نتنياهو مع اليمين الإسرائيلي لم يكن يعتقد ولو للحظة أن اجتياح غزة يتطلب كل هذا الوقت وكل تلك الانتكاسات.
“حزب الله” وقد دخلها لمساندة “حماس”، انحرفت بوصلته عن “المساندة” ليتحوّل إلى الحرب بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن طهران، أما طهران التي اعتادت أن تخوض حربها بأجنحتها فقد ساقتها إسرائيل إلى أن تخوض حربها بجسدها، وهو مالم يحدث بعد ولكنه لابد سيحدث.
كل أطراف الحرب متورطون بها، وكل من أطراف الحرب عاجز عن إيقافها بمفرده.
حكومة نتنياهو أمام معادلة “لن تعود ثانية”، فإن أوقف الحرب اليوم دون اجتثاث حماس وفرض إدارته لقطاع غزة، فالحرب ستعود ثانية، آجلاً أم عاجلاً، فكلما سقط غصن من حماس نبتت أغصان، وهذا ما يسمح لنتنياهو بالقول :
ـ never again
ما يعني الانغماس في الحرب وصولاً لإنهاء العدو لا اليوم فحسب بل إنهائه غداً وكل يوم.
“حماس” تعرف باليقين أنها إن خرجت من غزة اليوم فستخرج من كل التاريخ كل يوم، وهذا ما لن ترتضيه كما لا يرتضيه حلفاؤها خصوصاً من الإسلاميين الذين يخوضون حربهم المقدّسة.
حزب الله يعرف بالتمام والكمال، أن توسيع دائرة الحرب ستأتي في لحظة هي:
ـ ظهره مكشوف في لبنان، فلا أنصار له لدخول هذه الحرب، فاللبنانيون بمعظم أحزابهم وقواهم ومجموعاتهم لا يريدونها، فلا اقتصادهم يحملها ولا عقيدة تجمعهم حولها.. وحزب الله يعرف ذلك.
ـ إمكانياته التسليحية قد تصيب إسرائيل بجروح غائرة، ولن تصيبها بمقتل، فيما السلاح الإسرائيلي لابد ويحرق الأخضر واليابس، ويصيب “ضاحية الحزب” بكارثة من الصعب على الحزب ترميم خرابها.
حزب الله يعرف ذلك، وليس بوسع قيادته أن تعيد ما قالته ما بعد حرب تموز 2006:
ـ ماكنت أعلم.
لا، كان يعلم، وليس له من حيلة سوى الاستمرار بالغرق، فدخول الحمّام ليس كما الخروج منه، فإذا ما انسحب اليوم من هذه الحرب، فلن يتبق له ما يقوله لجمهوره في الغد.. انسحابه يعني سقوطه.
حال طهران لا يختلف عن حال حزب الله، فاغتيال إسماعيل هنية وقع على أرضها والرجل في ضيافتها، وكان “الولي الفقية” اعتبر الرد على الاغتيال “مسألة شرف”، فإن لم يرد فلابد أن يحدث ثقباً في شرفه، وإذا ماردّ فالرد يستلزم ردّاً إسرائيلياً، والبوارج الأمريكانية جاهزة لكل ما يأتي إلى خراب طهران بمستودعات سلاحها ومستودعات غذائها وبما تشتغل عليه من النووي.
كل الأطراف متورطة، والكل على الشجرة وما من يد قادرة على إنزال أيّ من متسلقيها.
لا الإسرائيلي قادر على التراجع، ولا حماس كما حال حزب الله وطهران، فهذه الحرب لن تكون وبكل المقاييس نصف حرب.
ـ هي حرب المهزوم فيه مهزوم بكامل الهزيمة، والمنتصر فيها منتصر بكامل الانتصار، فما نصف هزيمة هنا ولا نصف انتصار هناك.
الجميع متورط، ومن حق أي من أطرافها أن يقول في الغد:
ـ ما كنت أعلم.