زاوية مينا
الأكثر إقلاقاً اليوم، ولنقل استسرسالاً في مخازف الأمس هو السؤال:
ـ هل توقف شلال الدم في غزة ما بعد وقف إطلاق النار؟
ـ لم يوقع على الصفقة بعد.
بهذا افتتحت “ها آرتس” مقالاً ممهوراً بتوقيع تسفي برئيل، لتتابع القول بأنه ما زال تأثير “اللحظة الأخيرة” يحلق فوق الصفقة.
تأثير اللحظة الأخيرة الذي يحلّق فوق الصفقة، كما يهدد الفلسطينيون كذلك يهدد حياة الـ 33 مخطوفاً، فيما بنيامين نتنياهو ووفق وصف ها آرتس “رئيس حكومة منغلق ومجرم مدان يتولى منصب وزير الأمن الوطني، ومخادع لا ضمير له، وهذا يسمى وزير المالية”.
بالنسبة لجمهور الإسرائيليين فإن أمل المخطوفين معلق الآن بعضلات مجرم ظلامي آخر، الذي أثبت حتى قبل دخوله إلى البيت الأبيض، “مرة أخرى” لا يعرف إلا القوة، والمقصود بـ “المجرم الآخر” هو الرئيس دونالد ترامب وقد سبق وهدد بفتح باب جهنم إذا لم يتم التوصل إلى الصفقة.
في الحقيقة (والكلام لها آرتس) فدونالد ترامب لم يشر إلى العنوان الذي وجه التهديد إليه، لكن ذلك الشخص أدرك ذلك.
ـ إنهم الفلسطينيون.
المخطوفون لا يؤثر عليهم التهديد بجهنم. فهم يعرفون جيداً كل أقسامها، ليس لهم ولا لأهاليهنم سوى الانتظار بذعر اللحظة التي سيخرجون فيها من الهاوية وتوجيه عيونهم الميتة متسائلين: “أين كنتم حتى الآن؟”.
ستتابع ها آرتس :”إن زمن محاسبة النفس العامة لم يأت بعد، وسيكون مطلوباً في حينه الإجابة عن سؤال شديد واحد، وهو :
ـ كيف فشل الجمهور ولم ينجح في لي ذراع الحكومة وفرض وقف إطلاق النار وإنقاذ المخطوفين حتى عندما عرض الرئيس بايدن خطته قبل أشهر كثيرة، وهي التي تشبه الصفقة الحالية، وعندما كان المخطوفون الأحياء أكثر؟
ـ الإجابة:
حتى يكون الانتقاد الذاتي حقيقياً، فثمة حاجة للنظر إلى “الصفقة” المطروحة على الطاولة وفرك العيون بدهشة، حيث كان يمكن التوقيع على صفقة شاملة بهذه الشروط، في نهاية المطاف.
التفاصيل غير معروفة بالكامل حتى الآن، لكن المبادئ معروفة. قبل أي شيء، هناك وقف لإطلاق النار، “تهدئة”، وسيعيد الجيش الإسرائيلي خلالها “انتشاره”، أي أنه سينسحب من ممر نتساريم ومن بعض أجزاء فيلادلفيا، وسيتمكن سكان غزة من العودة بصورة خاضعة للرقابة إلى شمال القطاع، وسيطلق سراح مئات السجناء الفلسطينيين، عدد كبير منهم من السجناء ثقيلي الوزن، وستتوسع المساعدات الإنسانية، وستبدأ المفاوضات في اليوم الـ 16 لوقف إطلاق النار بشأن المرحلة الثانية من الصفقة.
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فسيتم إطلاق سراح جميع المخطوفين، لكن هذا سيكون مرهوناً بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع.
عملياً، سيصبح الجيش الإسرائيلي في فترة وقف إطلاق النار عالقاً في المواقع، ولن يستطيع مواصلة “تدمير البنى التحتية”، وتسوية البيوت وتفجير مواقع مشبوهة (والمصطلح يعود إلى ها آرتس).
في وضع قتال كهذا، ربما يقتل الجنود بنار المسلحين، ويدوسون على عبوات جانبية، وستقول حماس وبحق إنها لم تعد تستطيع السيطرة على كل من يحمل السلاح في القطاع، لأن الجيش الإسرائيلي دمر بنية سيطرتها القيادية التحتية. هكذا قيل في قائمة الإنجازات التي عرضها الجيش في الحرب.
لو كانت الحكومة جدية في نيتها استكمال الصفقة بالكامل، وتحرير جميع المخطوفين “حتى آخر واحد منهم”، ومنع موت الجنود ودفع ثمن ذلك، فلماذا لم توافق على التوقيع على صفقة واحدة شاملة، بنبضة واحدة وبدون مراحل؟
ـ سؤال لابد يستدعي وابل من التأملات.
عندما يكون من الواضح أن تكون نتيجتها نفس نتيجة صفقة المرحلتين؟ لماذا لا يتم إنقاذ حياة المخطوفين الذين قد يموتون بالذات أثناء التفاوض على إطلاق سراحهم؟ ولماذا يعرّض نتنياهو حياة الجنود الذين مهمتهم التواجد على الأرض إلى حين انتهاء المفاوضات وانتظار تعليمات للانسحاب؟
نتيجة هذه التساؤلات، التي توصلت إليها ها آرتس تفيد:
أن الحكومة لا تنوي الوصول إلى المرحلة الثانية للصفقة، وأن وجودها يدل على نية خبيثة. هكذا، هذه النتيجة تحتاج إلى إنقاذ أي مخطوف يمكن إنقاذه في المرحلة الأولى وكأنه ليس هناك مرحلة ثانية إلى الأبد. لأنه يجب ألا نغرق في الأوهام. الطموح إلى الاستقرار والتواجد والحلم بالاستيطان في غزة لم يتلاش، بل تأجل لبضعة أسابيع. هذه الحكومة أثبتت بالفعل أن حياتها أهم من أي اعتبار آخر. لذا، على الإسرائيليين الاستعداد للسيناريو الذي ستستمر فيه حرب الإبادة في غزة بعد إطلاق سراح الـ 33 مخطوفاً. وستصبح حياة المخطوفين الآخرين أضراراً عرضية وهامشية، مقارنة بحجم الحلم.
ـ وماذا عن الجمهور الصامت؟
يمكنه ضم هذا الفشل إلى صفقة الانتقاد الذاتي.