ما بعد المثال الأفغاني، هل ستبقى القواعد الأمريكية في سوريا؟

هو سؤال يتكرر، ولم يجب عنه بعد، وإذا كان الانسحاب من أفغانستان مثالاً فقد لايتطابق مع المثال السوري، أو ربما يتطابق.

ديفيد شنكر، وهو من أبرز كتاب معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى يشتغل على الإجابة، بدءًا من قاعدة “التنف” وهي القاعدة العسكرية  التي تقع على طول واحد من الطرق السريعة الرئيسية بين بغداد ودمشق، ما يعزلها عن عناصر الجيش الأمريكي المتواجدة شمال شرق سوريا.

قبل العام 2016، كانت المنطقة المحيطة بالحامية خاضعة لسيطرة “داعش” قبل تحريرها على يد قوات التحالف. ومنذ ذلك الحين، استخدمتها الولايات المتحدة كقاعدة تدريب لجماعات المعارضة السورية، مع تموضع ما بين 100 إلى 200 من أفراد الخدمة الأمريكية فيها في أي وقت محدد.

يحيط بالحامية منطقة فض نزاعات بمساحة 55 كيلومترًا تشكّلت في إطار تفاهم أمريكي-روسي عام 2016. وقد مكّنت هذه المنطقة القوات الأمريكية والدول الشريكة من تقويض عمليات “الدولة الإسلامية” ومنعت دخول القوات المتحالفة مع إيران. كما كان لها أثر ثانوي في استقطاب اللاجئين السوريين إلى مخيم الركبان الذي يبعد فقط بضعة أميال عن القاعدة على الجانب السوري من الحدود.

في 20 تشرين الأول/أكتوبر الفائت وقع اعتداء على القاعدة.. لم يكن هو الاعتداء الأول الذي تتعرض له القوات الأمريكية في “حامية التنف العسكرية”، ففي 2016، ضربت طائرة روسية القاعدة مرتين – مرة باستخدام الذخائر العنقودية ومجددًا بعد تحذير أمريكي بوجود أفراد خدمة من التحالف في المكان. وقد لقي 4 مقاتلين من المعارضة السورية حتفهم. وفي نيسان/أبريل 2017، هاجم عملاء “داعش” الجنود الأمريكيين بعد أن ادعوا أنهم من الثوار المدعومين من الولايات المتحدة. وبعد أسابيع قليلة فقط، أطلقت ميليشيا مدعومة من إيران طائرة مسيرة محملة بقذيفة على الحامية.

وفي ذلك الوقت تقريبًا، بدأ عناصر ينفذون عمليات برية متحالفون مع إيران يستكشفون منطقة فض النزاع. وبين أيار/مايو وحزيران/يونيو 2017، تصدّت القوات التابعة للولايات المتحدة والتحالف لقوة “مؤيدة للنظام” تضمّ نحو 60 جنديًا كما نفذت ضربات ضد قوات مشابهة أخرى دخلت المنطقة. وبحلول فصل الصيف من ذلك العام، عزّزت الولايات المتحدة وجودها من خلال “نظام راجمة الصواريخ المدفعية عالية التنقل”. وفي شباط/فبراير 2020، زعمت “مغاوير الثورة” أنها تصدّت لقوة من العناصر المتحالفة مع إيران بينما كانت تحاول دخول المنطقة، وفق تقرير نشرته “ميليتيري تايمز”.

تقرير صدر عن “مؤسسة بروكينغز” بتوقيع الكولونيل دانييل ماغرودير جونيور من القوات الجوية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، قال فيه الكولونيل إن الوجود العسكري في “حامية التنف العسكرية” يدعم ثلاثة أهداف للسياسة الأمريكية في المنطقة:

ـ مواصلة الحملة ضد “الدولة الإسلامية”.

ـ تقويض الأنشطة المدعومة من إيران على طول “الجسر البري” من إيران إلى لبنان.

 ـ  التمتع بنفوذ في المفاوضات المتعلقة بمستقبل سوريا. وغالبًا ما ينفر المسؤولون العسكريون الأمريكيون من الإقرار علنًا بالهدفين الثاني والثالث نظرًا إلى المخاوف حيال التبرير القانوني للوجود الأمريكي في سوريا.

خلال فعالية نظمها “معهد الشرق الأوسط” في تموز/يوليو 2020، أشار قائد “القيادة المركزية الأمريكية” الجنرال كينيث ماكنزي جونيور إلى أن “الهدف الرئيسي من تواجدنا في سوريا هو تنفيذ عمليات ضد ’الدولة الإسلامية‘”.  غير أن سلفه الجنرال جوزف فوتيل ألمح إلى أهداف أشمل عند شهادته أمام الكونغرس في 2018 “تتمتع “حامية التنف العسكرية” بالقيمة المشتقة لكونها موجودة ضمن خط رئيسي للوصول والاتصال ترغب إيران ووكلاؤها في استغلاله…لذا وفي حين أن هذه ليست مهمتنا، إلا أننا ندرك الأثر غير المباشر الذي نتركه”.

وفضلًا عن تقويض خط الاتصالات الأرضي الذي يجمع إيران مع “حزب الله” ونظام الأسد، أثبت الوجود الأمريكي في “حامية التنف العسكرية” أنه يستهدف بعض هذه العمليات قواعد سورية حيث كان “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني و/أو وكلاؤه الميليشياويون يوسّعون رقعة وجودهم.

الحامية خدمت المصالح الأردنية أيضًا. فقد ساعد الجنود الأمريكيون وشركاؤهم من “مغاوير الثورة” على ضمان أمن حدود المملكة البعيدة مع العراق وسوريا ضد عمليات التهريب والتسلل المحتمل لعناصر “الدولة الإسلامية” أو الميليشيات الإيرانية. ورغم أن الأردن حذّر من تهديد إرهابي يطرحه مخيم الركبان، إلا أن واشنطن ساعدت على تقليص هذا الخطر من خلال إقامة حواجز ودعم أفراد الأمن المدربين على يد الولايات المتحدة الذين يسيرون دوريات على الجانب السوري من الحدود. وبالفعل، وبعدما أمر الرئيس ترامب بانسحاب كافة القوات الأمريكية من سوريا عام 2018، مارس الملك عبدالله الثاني شخصيًا الضغوط على الإدارة للبقاء في “حامية التنف العسكرية”  .

تشير التقارير الصادرة مؤخرًا إلى أن إدارة بايدن أنجزت مراجعتها لسياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا وستركز على مواصلة العمليات لدحر “الدولة الإسلامية” وتقديم المساعدات الإنسانية. ويعتبر ذلك نقلة نوعية عن سياسة إدارة ترامب التي ركزت على هدفين آخرين إلى جانب دحر التنظيم: تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2554 (أي تمكين انتقال سياسي يسمح للحكومة السورية بإعادة بسط سيطرتها على كامل البلاد) وضمان خروج كافة القوات الأجنبية.

قد لا تهتم إدارة بايدن بمنح الأولوية لأهداف الإدارة السابقة، كما يظهر من خلال عدم اهتمامها المتصوّر في منع التطبيع العربي مع بشار الأسد أو تعيين مبعوث رفيع المستوى إلى سوريا. مع ذلك، من شأن الحفاظ على موطئ قدم أمريكي في الحامية وفي شمال شرق البلاد أن يعود بالفائدة على المصالح الأمريكية وأهداف الإدارة بطرق أساسية. فناهيك عن منع تنظيم “الدولة الإسلامية” من إعادة تشكيل صفوفه بما يكفي لشنّ هجمات جديدة في سوريا أو خارجها، يمثل التواجد الأمريكي على الأرض مصدر النفوذ الرئيسي لواشنطن في تحديد معالم مستقبل سوريا وتقويض أنشطة إيران عبر الحدود.

باختصار، إن “حامية التنف العسكرية” هي امتداد لسياسة أمريكا العامة إزاء سوريا، وبالتالي فكل الأقوال عن انسحاب أمريكي وشيك هو محض “ضرب خيال”.

انسحبت القوات الامريكية من أفغانستان، حدث ذلك فالكلفة باهضة الثمن.

في سوريا ماهي تكلفة بقاء القوات الأمريكية؟

ـ بالغة التواضع.

لهذا:

ـ لن تنسحب.

Exit mobile version