مرصد مينا
قلائل أولئك الرجال الذين يمكن وصفهم بـ “ماقبلهم غير ما بعدهم”، وربما يكون حسن نصر الله من بين هؤلاء على اختلاف المواقف والآراء بمنهجه وشخصه، وها هو اغتياله لابد ويرتّب على لبنان والمنطقة برمتها ما يمكن وصفه بـ “ما بعده”، فحزب الله لم يُنتِج شخصية تقارب هذا الرجل من حيث التجربة والاختبار بل والمزايا الشخصية، دون نسيان أن “ما له” أقل بـ “ماعليه”، وقد ورّط بلاده بما يكفي من المآزق لتنحدر الدولة على يده، مقابل حضور الميليشيا، وبما تسبب يإعاقة كل ما يدفع بلداً مثل لبنان نحو طريق مدنية الدولة واستقلاليتها، وقد ارتبط بمشروعين حالا وسيحولان إلى أمد بعيد لبنان المستقبل ونعني هنا “تكريس تطييف الدولة” و “نزع استقلاليتها” بما يجعلها أسيرة لمحور إقليمي لعب بكل أدواته لإحداث ما يكفي من الخراب، وهذا حال الخمينية السياسية التي حطت بكلكلها على سوريا دفاعاً عن أوليغارشيا الأسد، وأعاقت العراق على تخطي “الصدّامية السياسية” وقد حوّلت العراق إلى زنزانة وأنشوطة، وشققت اليمن بما أسقط عن اليمن السعادة الى أجل من الصعب فهمه، دون نسيان وضع لبنان على واحدة من حافتين أحلاهما كارثة:
ـ نسف مفهوم الدولة لحساب حزبه وقد استأثر بلبنان مقابل مقايضة السلطة بالفساد.
ـ خيار التقسيم هرباً من عجز الدولة.
وكلاهما خيارات كارثيان، طالما وضعا لبنان تحت وابلهما.
واليوم.
رحل حسن نصر الله، ورافق رحيله الاستهداف المبرمج للصف الأول من حزب الله كما الصف الثاني اغتيالاً، بما جعل بديله في قيادة حزبه مثقلاً بإرث القائد الراحل، وبما جعل الطائفة الشيعية الحاضنة لمشروع نصر الله، طائفة تائهة ما بين خيارين:
ـ نكبة العزلة أو عجز الاندماج.
وكان اللبنانيون من بقية الطوائف الممتدة من وليد جنبلاط إلى سمير جعجع مروراً بالقوى والأحزاب الأخرى قد تنبّهت بما يكفي لتبادر إلى احتواء التراجيديا الشيعية المتمثلة بالنزوح، فكان احتضان النازحين والتواصل بما يكفي لتقديم كل وسائل الاطمئنان أن الوطن الواحد يتسع لطوائفه، وكان هذا حال المجتمع الأهلي بمعظم تجلياته، لتتجدد الدعوة الى الدولة الحاضنة بديلاً عن الطائفة القوقعة، وهذا حال يسجّل للبنانيين الذين اختبروا الاحتراب الأهلي بمقدماته ونتائجه، وفي خطوة بالغة الدلالة فوّضوا نبيه بري، الجناح الثاني من المرجعية الشيعية، بالعمل على تجاوز الفتنة الممكنة، كما باستعادة الدولة عبر كتايها المسمى “دستور البلاد”، مع الأخذ بالاعتبار أن ديمومة الاشتباك مع الإسرائيليين، لم يعط لبنان سوى هزيمة تتلو هزيمة، فيما الاشتغال على ١٧٠١ هو الممكن المؤجل، بدعم فرنسي، وبلا ممانعة أمريكانية سيكون حلاً لمسألة الصراع دون كوارث الحرب الخاسرة / المخسِرة، وهو الطريق الوحيد الممكن لليوم التالي، يوم تتوقف آلة القتل الإسرائيلية، أقلّه كي لا تتمدد آلة القتل إياها وتطيح بالمستقبل اللبناني كما أطاحت بماضيه وحاضره.
اللبنانيون اليوم هم على مفترق عنوانه:
ـ ما بعد حسن نصر الله.
على هذا الـ “مابعد” ستكون:
ـ الدولة أو العصابة.
ـ السلم الأهلي أن الاحتراب الأهلي.
سطوة المقابر أم حقائق الحياة.