ما بين ناس تركيا وناس سوريا

نبيل الملحم

خلال سبع ساعات بلغت التبرعات الأهلية في تركيا لمصابي الزلزال ستة مليارات دولار وبعض الملايين، والكثيرون يشتغلون على المقارنة ما بين “متبرع تركي”، ومتبرع سوري”، لتكون النتيجة في صالح المتبرع التركي، والنتيجة ستكون مجحفة إن لم تدقّق بالتفاصيل.

ـ على ما للنظام التركي من مشاكل مع مجتمعه ومعارضاته، فهو “نظام دولة”، دولة توطّد من قيمة الأمّة، لتكون “الأمّة العثمانية” وفق تطلعات الإسلاميين، والأمّة التركية وفق تطلعات “الأتاتوركيين”، وبالنتيجة كلا الطرفين يشتغلان على “الأمّة” بوصفها الوعاء المتسع للجميع.. للمتوافقين والمختصمين.. أمرٌ كهذا يسمح للتركي بـ “الشراكة الوطنية”.. الشراكة مع “الأمّة” فهي منه، وهي له.

ـ في الجارة سوريا، ألغيت الدولة، ومعها ألغيت الأمّة، فباتت البلاد “سوريا الأسد”، ولا بد أن شعاراً كهذا سيسقط الأمة والمواطنية، فالأمّة للعائلة الحاكمة، وللعائلة الحاكمة حق استباحة البلد، استباحة الثروة، واستباحة الممتلكات، واستباحة الضمائر واستباحة الحريات، وكذلك استباحة التاريخ، وليس مطلوب من مواطن انتهكت مواطنيته واستبيحت بلاده من شاطئها إلى سهلها وجبالها أن يتشارك في لحظة الزلزال، فيما قد مُنِع عن التشارك في لحظة حصاد المحاصيل.. ومع ذلك كانت الشراكة الأهلية قد ضربت المثال الأروع، وقد تجاوز ناس البلد، كل ما يستعصي على غيرهم تجاوزه، فحفروا بأصابعهم العارية الأنقاض واقتسموا اللقمة حتى باتت اللقمة عصية على من دمّره الزلزال وعلى من اجتاحتهم زلازل “دولة الأسد” ماقبل الزلزال،  وبالنتيجة ، غيّب آل الأسد الدولة، وغيّبوا الأمة، غير أنهم سقطوا في امتحان تغييب ضمائر السوريين.. الضمائر التي مازالت تشتغل على استعادة الأمّة وإن من تحت الركام.

ـ في تركيا فسّاد وفاسدون، شاركوا الزلزال في رسم الكارثة، سوى أن حكومتهم ما بعد الزلزال اشتغلت على مطاردة الفاسدين من متعهدين وشركاء في ماوصل إليه الزلزال دماراً وانتهاكاً للحياة.

ـ في الجارة سوريا، لن يطارد اللصوص اللصوص، فاللصوص من عائلة واحدة، ومن رحم واحد، والاظفر لايخرج من الجلد، والكلب لايعضّ ذيله.

ـ في تركيا برلماناً يُسقِط رئيساً إذا  ما فشل الرئيس بإدارة أزمة، بدءاً  من استعصاء في شارات المرور، وصولاً  إلى إدارة زلزال.

ـ في جارتهم لم تسقط هزيمة 1967 المهزوم، ولم يُحاسَب من تسبّب للجارة لبنان بكل اللاحق من خراب، ولم يقف ولو لمرّة واحدة ليُسأل: ما الذي أبقيته من شواطئ البلاد، ومن نفط البلاد ومن محاصيل البلاد، ومن كرامة البلاد وثلث شبابها في السجون، ومن تبقّى تحت كابوس السجون.

ـ في تركيا أمّة تشتغل على مواطنها، ليشارك في “الغُنم”، ومن بعدها ليشارك بـ “الغُرم”، وفي الجارة ناس يبحثون عن الأمّة من تحت الردم وتحت الركام فيدفعون “الغُرم” وما من “غُنمِ” طالهم سوى الابتهاج بالرئيس.

في تركيا ليس ثمة معجزة يصنعها الأتراك وبلادهم من أثرى بلدان الأرض،

وفي الجارة سوريا، كل ما تبقّى من الرغيف، هو ضمير الناس الذين احتضنوا الناس.. كلّ ما تبقى من ثرواتهم عِناق يُبشّر بضمائر لم يمتها الخراب.

ناس سوريا معجزة.. ناس تركيا مواطنون.

Exit mobile version