مرصد مينا
بوسع هواة تجميع الصور اللجوء إلى صور الأقمار الفضائية الملتقطِة للمدن المدمّرَة في كل من “غزة” والمدن السورية، ومن سيذهب نحو هكذا حال، لن يكون بوسعه التمييز ما بين “غزة” المدمّرة وحلب المُدمّرة أو ريف دمشق المدمّر أو سواهما من المدن، فالدمار واحد، مع اختلاف أسلحة التدمير التي آلت إلى نتيجة واحدة.
بنيامين نتنياهو، ربما يكون الأكثر عدوانية وفاشية عبر التاريخ الإسرائيلي، مستنِداً إلى تيار واسع من اليمين الديني المتشدّد الذي يرى خلاص إسرائيل بتدمير محيطها، وهذا واحد من الدوافع بالإضافة إلى ما أحدثته عملية “طوفان غزة” من إهانة لحقت بشخصه كما بمؤسستية العسكرية والأمنية، غير أن الفارق ما بين نتنياهو وبشار الأسد، أن الأول اشتغل على تدمير ما يعتبره دولة معادية، فيما اشتغل بشار الأسد على تدمير ما يعتبره دولته.. القتلى فيها هم مواطنوه.
قدّم بشار الأسد للإسرائيليين النموذج، والتقط نتنياهو الهدية، ومع الهدية دعماً منقطع النظير ربما كان تعبيره الأشدّ وضوحاً كان في زيارة جو بايدن إلى إسرائيل في لحظة الحرب، وهذا امر لم يسبق لرئيس أمريكي أن فعله، وسيقابل هذا الدعم على ضفة بشار الأسد، ذلك الدعم الروسي / الإيراني، ولكل منهما سلاحه بمواجهة المدن السورية، بما سمح للطيران الروسي أن يجري تدريبات حيّة، على بشر أحياء، أحال حياتهم إلى جحيم ومن الجحيم إلى المقبرة.
ثمة فوارق ربما يمكن التأمل فيها، ومن بين الفوارق، أن مُجمَل ما يطمح إليه نتنياهو في حرب غزة، هو ترحيل الفلسطينيين من غزة، بما يجعل غزة أرضاً بلا سكّان وبالنتيجة أرضاً تستكمل خرافة “دولة الوعد”، وهذا عبر تهجير الغزاويين إلى سيناء كما هو مقتّرح، أو تهجيرهم ربما إلى الضفة الغربية، وبالنتيجة “تهجير من لم يقتله السلاح”، لتكون مدافن الهجرة أرحم من مدافن الموت تحت الردم، ولابأس من النظر إلى ما اشتغل عليه “الجار” فكان أن سبق نتنياهو، وبخطوات “مثمرة” في تهجير نصف سكّان سوريا، ومن تبقّى، بقي على حلم الهجرة، وحتماً بمساندة إيرانية تعبيراتها في الاستيلاء على ممتلكات المُهجَرين، وقد امتدت اليد الإيرانية من “المراقد” إلى “الملاهي”، هذا عداك عن التبدّلات الديمغرافية وقد زرعت مواطِن في ممتلكات مواطِن بما يجعل التبدلات الديمغرافية قضية مستقبلية، ستولد ما بعد رحيل الأسد، اقتتالاً سورياً / سورياً، بما يجعل إرثه في الخراب يساوي وجوده في الخراب أيضاً، وهذا ما لم يفعله ضبع الحرب نتنياهو، وهنا سيكون الفارق واسعاً وليس ضئيلاً، وسيكون السبق فيه لبشار الأسد، وسيكون لبشار الأسد، الحق الحصري في ابتكار الكوارث، ومن بعده سيقف بنيامين نتنياهو في صفوف أصحاب الجائزة اللاحقة في ابتكار الدمار.
الأول قصف المدارس والتجمعات المدنية ومن ثم جريمة مشفى المعمداني، فتحوّل المشفى إلى مقبرة، والثاني قصف من معظم ما بنته اليد السورية من المشافي فأحال الجريح إلى نازف تقتله جراحه، وهكذا تساوى :
ـ المواطن بشار الأسد، مع المُحتَل بنيامين نتنياهو.
ثمة فارق ما، ما الفارق؟
الفارق أن الإسرائيليين ما بعد عودة الجنود إلى ثكناتهم سيحاكمون بنيامين نتنياهو، أقله باعتباره “لايصلح لإدارة دولة”، أما السوريين فكل ما تبقّى لهم:
ـ الهتاف بحياة قاتلهم، أو الرحيل عن البلد.