ما بين هوكشتاين والسيدة أورتاغوس

زاوية مينا

كان راموس هوكشتاين، السياسي والدبلوماسي الأمريكي ينتمي في أصوله لعائلة يهودية، أكثر من ذلك خدم في الجيش الإسرائيلي وجاء لبنان حاملاً أعقد الملفات فـ “انتزع القرار 1701” الذي يعني بدوره انتزاع سلاح حزب الله لا من جنوب الليطاني فحسب، بل من خزائن كوادر حزب الله ووسائدهم.

واليوم تأتي مورغان أورتاغوس، وقد حلّت محل هوكشتاين في الملف اللبناني، لتعلن انتزاع حزب الله من السياسة، وهي يهودية، صافحت الرئيس جوزيف عون وخاتم اصبعها يحمل نجمة داوود السداسية، وفي وصفها، وكما جاءت به الوكالات فهي مبعوثة دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط وكان رئيسها ستيف ويتكوف، وهو أيضاً يهودي أمريكي يحمل الجنسية الإسرائيلية وكان قد خدم في الجيش الإسرائيلي.

فيما مضى من ازمنة كان الكلام الدارج يقول:
ـ لولا أمريكا لما وجدت إسرائيل.
ويبدو الكلام اليوم معكوساً وصولاً إلى القول:
ـ لولا إسرائيل لما وجدت أمريكا.

وهكذا تأتي مورغان أورتاغوس لتقول من منبر القصر الرئاسي اللبناني:
ـ لا نريد وزيراً لحزب الله في وزارة نواف سلام.

اللبنانيون لابد وأبدوا تذمرهم من خطاب المبعوثة، فقد شكرت إسرائيل من المنبر ذاته، وبدا تدخلها في شأن داخلي لبناني داخلي اكثر تهوراً من سابقيها الذين حملوا ملفات هذا البلد، فالمتابع لراموس هوكشتاين يعرف بالتمام والكمال كيف توصل الرجل وبدبلوماسية الابتسامات إلى انتزاع سلاح الحزب، فعل ذلك دون أن يعلن إسرائيليته، وهو من أشد الداعمين لإسرائيل مروراً بكونه حمل رتبة ضابط وقاتل في الجيش الإسرائيلي، فيما بدت السيدة أورتاغوس، بالغة الأنوثة، وربما غير صالحة للاستخدامات الحربية بالقدر الذي تصلح فيه لإدارة دار أزياء، وكان السؤال:
ـ هل كانت تصريحات السيدة المبعوثة زلات لسان؟

حتماً لا، الـ “حتماً” هذه التي تعني اليقين ربما سيكون مبعثها أن السيدة تعمل في إدارة دونالد ترامب، الرجل الأكثر وضوحاً، بل والأشد علانية في مجموع مواقفه ابتداء بموقفه من الصين، وصولاً إلى موقفه من المهاجرين أو المتحولين جنسياً، والأكثر وضوحا من بين مجموع مواقفه الصارخة، إعلانه المتكرر عن اقتلاع الغزاويين من غزة، ورميهم إلى شواطئ مهجوره، ستكون جنتهم الموعودة بعد تخليهم عن فلسطين.

تصريحات السيدة أورتاغوس، لابد وشكلت إقلاقاً للبنانيين، فاللبنانيون بمجموع قواهم، وقد زغردوا لانتزاع السلاح من حزب أيدي حزب الله، باتوا يشتغلون على تأهيل هذا الحزب ليكون جزءاً من الصيغة اللبنانية انطلاقاً من المقعد السياسي بديلاً عن الدوشكا، وقد فعلوا ذلك مراعاة لمجموع عوامل.

أول هذه العوامل أن لحزب الله حامله الشعبي، فجمهوره ممتد، وإنكار هذا يعني إغماض العين عن حقيقة ينبغي رؤيتها للتعامل معها.

ثاني هذه العوامل، أن إلغاء حزب الله غير ممكن وقد يقود هذا الإلغاء إلى انتقال هذا الحزب بكوادره إلى الأزقة مما يفجر حرب زواريب لابد ستودي بلبنان، وبناء عليه لابد من الاحتواء بديلاً عن منطق الإلغاء.

ثالثها، أن حزب الله هو نصف الثنائي الشيعي، والنصف الثاني منه ونعني حركة أمل، لن تقف مكتوفة الأيدي فيما لو تعرض حزب الله لهذا النوع من الإعصار.

العامل الرابع، والأكثر أهمية، تلك القاعدة التي اشتغل عليها وليد جنبلاط والتي لابد ويتفهمها سمير جعجع، وكليهما على خصومة مع حزب الله، والقاعدة تقول:

ـ دعوه ياكل نفسه.
فحزب الله سيتآكل من قاعدته التي لابد وتتخلى عنه ما بعد النكبات التي جرهم إليهم طيلة أربعة عقود، ولم يتبق لتاكله قاعدته سوى خطوة واحدة، وهذه الخطوة تتمثل في تحوّله إلى قوّة سياسية وهي الخطوة التي ستغرقه في واحد من احتمالين:

ـ إما أن يشتغل سياسة، فيضاف إلى التيارات والقوى اللبنانية على تنوعها، وهذا لن يضير لبنان.

وإما أن يسقط في اختبار السياسة ومن بعدها تسقطه الحياة.
ما طلبته المبعوثة الامريكية لا يعني سوى أمر واحد:
ـ شدّ عصب بيئة حزب الله.. وبالتالي:
تمتين مواقعه بعد أن أوشك على السقوط.

ثمة غباء أمريكي.
دبلوماسية السكاكين لن تنفع، راموس هوكشتاين عرف أسرار اللعبة.
السيدة الجديدة قد تحتاج إلى المزيد من الدروس.

Exit mobile version