
زاوية مينا
غادروها (مؤقتاً) ريثما يبني “غزة الريفييرا”، أما الغزاويون وسواهم ممن خرجوا من أرضهم ومفاتيح بيوتهم معلقة في رقابهم، فلم يحدث أن عادوا إلى ما غادروه، وليس هذا حال الفلسطينيين بمفردهم، فمن يقتلع من أرضه لن يعود إليها ثانية.
دونالد ترامب، بدأ بالكلام عن شراء غزة، ثم تنازل عن الشراء وقد تحوّل خطابه نحو الاستيلاء، وفي الحالين، شراء أم استيلاء، فكلام ترامب ليس سوى الاشتغال على دياسبورا كنا نظن أن العالم تخلّص منها، مع التذكّر على الدوام، أنها فيما لو حدثت فلن تنهي الفلسطيني وحده، بل ستكون خطوة باتجاه تفكيك دول المحيط، أقله تفكيك الأردن، وهو الصيغة والدور، فكانت المملكة التي جمعت أردنيو شرق الأردن، وأردنيون من أصول فلسطينية، والهاشميون الذين لعبوا عبر تاريخهم بيضة القبّان والضمان الآمن للإبقاء على الأردن خارج احتراب الأزقة، تلك الصيغة التي كادت أن تتفجر في أحداث أيلول الأسود وأن تطيح بالمملكة آنذاك، وتحوّل من فيها إلى ضفة النهر الذي لايعني سوى انتظار الجثث.
ولكن قبل هذا ماهي تفاصيل مقترح دونالد ترامب؟
لا تزال تفاصيل هذه المقترحات غير واضحة، فيما يؤكد القانون الدولي لحقوق الإنسان والهجرة بوضوح عدم قانونية إجبار الأفراد
على الانتقال من مواطنهم قسراً، وما هو من شبه المؤكد أن “طوعاً” هذه لن تحدث، مع أن من يراقب جحيم غزة، لابد ويعتقد أن الغزاويين سيفضلون أي مكان للعيش خارج الدمار الذي حل بهم.. لن يغادروا فذاكرة النكبة مازالت ماثلة أمام أعين أحفاد المنكوبين الأوائل، ولن يكون بوسع الغزاويين اليوم، توليد نكبة للأحفاد، وليس أمراً متعلقاً لا بحماس، ولا بالفصائل، وكذا الحال فلن تتحمل لا مصر ولا الأردن ارتدادات ما يطرحه ترامب، فالمصريون، لن يضعوا حزاماً متفجراً على خاصرتهم في سيناء، والأردنيون لن يضيفوا أعباء جديدة إلى أعبائهم، وهاهي القاهرة وعبر أصوات مؤثريها باتت تتحلل من كامب ديفيد، وليس مستبعداً إذا ما ذهبت حكومتهم للتوافق مع ترامب على تهجير الغزاويين، وأن يخرج الجيش من الثكنات إلى الشارع، ليطيح بالمشروع، وبمن وافق عليه.
ولهذا فالرئيس السيسي يحسب حساباً لشعبه وجيشه، كما يحسب لديمومة حكمه الذي لابد ويكتب نهاياته إذا ما أذعن لخطة ترامب، فيما العاهل الأردني، والذي ستبدو خياراته أشد مرارة، فلابد أنه يدرك لغة الابتزاز التي يحكي بها دونالد ترامب، والتي لاتخلو من الفضاضة، بل والوقاحة، ومن يشهد لقاء الملك مع دونالد ترامب لابد ويلاحظ أنه كان لقاء ملك بقاطع طريق، ماجعل المشهد بالغ الكآبة، وجعل الملك بالغ الصبر، وجعلهما الرئيس السيسي والعاهل الأردني، يلجآن إلى العرب للخلاص من المأزق الذي وضعهما به دونالد ترامب، اتكاء على الموقف السعودي الذي سيبدو اليوم حاسماً، أكثر من أي وقت في تاريخ المملكة.
اليوم، يوم الاستحقاقات الكبرى.
الأردنيون.. الغزاويون.. المصريون، وكل العرب بانتظار موقف عربي يخفف الضغط عن مصر والأردن.
والمبادرة لابد وتأتي من السعودية أولاً.