مرصد مينا
تعرضت حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لضربة قد تؤثر على مساره في الانتخابات الرئاسية المقررة في جولتها الأولى يوم 10نيسان، وذلك فيما يتعلق بقضية شركة “ماكنزي” وهي شركة أمريكية متخصصة في تقديم الاستشارة للشركات الخاصة وللحكومات في مجالات شتى مقابل أموال باهظة. وجاء ذلك عقب تقرير نشره مجلس الشيوخ الفرنسي، كشف فيه مدى اعتماد الوزارات الفرنسية على شركات عالمية تقدم الاستشارة عوضا عن اللجوء إلى شركات محلية ومتخصصين فرنسيين.
لكن إلى أي مدى ستتحول قضية “ماكنزي” إلى فضيحة سياسية وتقوض حظوظ ماكرون في الفوز بعهدة رئاسية جديدة كما تتوقع استطلاعات الرأي؟
مستشارو ماكرون بحسب “فرانس 24” يأخذون على محمل الجد الاتهامات التي تبين بأنه اعتمد بشكل مفرط على شركات عالمية متخصصة في تقديم الاستشارة دون أن تدفع هذه الشركات بشكل كامل الضرائب التي تترتب عليها.
يشار أن القضية “ماكنزي” في 16 مارس/أذار الماضي عندما نشر مجلس الشيوخ تقريرا يكشف فيه “اعتماد” ماكرون وحكومته على شركات استشارية خاصة، من بينها شركة “ماكنزي” الأمريكية والمتخصصة في تقديم الاستشارة للحكومات والشركات الخاصة. فيما تم اتهام هذه الشركة بـ”تحقيق أقصى استفادة ضريبية” في فرنسا و”عدم دفع الضرائب المترتبة عليها بشكل كامل”. وعلى سبيل المثال، أظهر التقرير أن النفقات التي خصصتها بعض الوزارات الفرنسية في مجال الاستشارة ارتفعت من 379,1 مليون يورو في 2018 إلى 893,9 مليون يورو في 2021. وهو ما أثار غضب أعضاء مجلس الشيوخ الذين قاموا بتحقيق لفهم تداعيات هذه القضية.
وكتب بعض أعضاء المجلس: “مهزلة الدراسة التي قامت بها شركة ’ماكنزي‘ بخصوص مستقبل وظيفة المدرس في فرنسا وتوزيع العقود خلال جائحة كوفيد-19 واللجوء إلى خدمات هذه الشركة الأمريكية (أي ماكنزي) على الرغم من الشكوك التي تحوم حول وضعيتها الضريبية هي أمثلة تزيد من الوضع السياسي ’غموضا‘ وتعزز الشعور ’بانعدام الثقة‘”.
ظهرت قضية “ماكنزي” في موقع “بولتيكو” الأمريكي الذي نشر في 4 يناير/كانون الثاني 2022 مقالا عنوانه “تباطؤ حملة التطعيم ضد وباء كوفيد-19” جاء فيه أن مكتب “ماكنزي” الاستشاري قد يتواجد في حوالي 60 بلدا حول العالم. في فرنسا، مكاتبه تتواجد في مدينتي ليون والعاصمة باريس. “ماكنزي” يقدم الاستشارة لشركات خاصة وعامة وفي مجالات عدة. لكن حسب تقرير مجلس الشيوخ، “حكومة جان كاستكس أفرطت كثيرا في الاستعانة بخدمات مكتب “ماكنزي”، مشيرا إلى أن النفقات في هذا المجال وصلت إلى 893,9 مليون يورو في عام 2021.
وشملت الاستشارات التي قدمتها شركة “ماكنزي” عدة قطاعات، كقطاع السكن (3,8 مليون يورو) والصحة (الإشراف على حملة التطعيم ضد وباء كوفيد19 بـ12,3 مليون يورو) إضافة إلى تنظيم منتدى دولي بطلب من وزارة التربية كلف 496,800 يورو لكنه ألغي في نهاية المطاف بسبب جائحة كوفيد-19.
المعارضة الفرنسية انتقدت بحدة الاستشارات التي قامت بها شركة “ماكنزي” وقالت “إنها لا تعود بالنفع على الاقتصاد الفرنسي وغير مهمة”. فيما وجهت أيضا انتقادات لهذه الشركة بسبب ممارساتها في المجال الضريبي، إذ لم تدفع جميع الضرائب التي كان يتوجب عليها أن تدفعها للخزية العمومية الفرنسية.
وكتب في التقرير:” بالرغم من أن شركة “ماكنزي” مطالبة بدفع الضرائب المفروضة عليها وعلى جميع الشركات في فرنسا، إلا أنها لم تسدد ولو يورو واحد على مدى عشرين عاما تقريبا (ما بين 2011 و2020) علما أن المعاملات المالية الإجمالية لهذا المكتب بلغت 329 مليون يورو بما في ذلك 5 بالمئة في القطاع العام في 2020 فيما بلغ عدد الموظفين 600 موظف”.
الأسبوعية الفرنسية الساخرة “لو كانار أنشينيه” نشرت مقالا أكدت فيه أن “التحويلات المالية الكبيرة التي كان يقوم بها الفرع الفرنسي لشركة “ماكنزي” باتجاه الشركة الأم الموجودة في الولايات المتحدة كان من المفروض أن تلفت انتباه المديرية العامة للتمويل العمومي خاصة وأن هذه التحويلات المالية مراقبة من قبل هذه المديرية”. وختمت الأسبوعية أن شركة “ماكنزي” لم تشرح في التقرير الذي قامت به كيف تقيم أرباحها.
وأضافت المنظمة غير الحكومية “أوكسفام” أن “شركة ماكنزي” للاستشارات اتبعت استراتيجية محكمة للحيلولة دون دفع ضرائب كثيرة على نشاطاتها في فرنسا. فعلى سبيل المثال، قامت بإدخال بعض النفقات المتعلقة بالإدارة العامة في خانة حسابات الشركة. والهدف وراء ذلك هو تقليص قيمة الضرائب التي كانت تدفعها هذه الشركة”. فحسب جريدة “لوموند” المسائية، لم تكن شركة “ماكنزي” تدفع سوى 175 دولار كضريبة رمزية سنويا.
من جهتها أكدت شركة “ماكنزي”، بحسب “فرانس 24” أنها احترمت جميع القواعد الضريبية والاجتماعية المعمول بها في فرنسا وقامت بدفع الضريبة عن الشركات خلال “السنوات التي حصلت فيها على أرباح في فرنسا”. لكن بالرغم من هذه التفسيرات، إلا أن مجلس الشيوخ الفرنسي أعلن في 25 فبراير/شباط رفع دعوى قضائية ضد الشركة الاستشارية الأمريكية بتهمة ” التشكيك في شهادة التزوير”.
بدورها قالت “لوموند” الفرنسية أن عدد كبير من المستشارين الذين كانوا يعملون في الشركة الأمريكية “ماكنزي” شاركوا مجانا في حملة ماكرون الانتخابية في 2017. وبعد فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية، تم تعيينهم في مناصب إدارية وحكومية عدة.
إيمانويل ماكرون دافع عن موقفه الأسبوع الماضي وحاول إطفاء الجدل الذي نشب بسبب فضيحة “ماكنزي”. وأكد أن الاستعانة بشركات متخصصة في الاستشارة شيء متعامل به في زمن الرئيسين السابقين وهما نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، منوها إلى أن “كل ما قام به يدخل في إطار القانون والشرعية”.
وقال ماكرون: “لم نوقع على أية صفقة دون أن نحترم قانون السوق العمومي ومبادئ الشفافية والمسؤولية ومبدأ المنافسة”، مضيفا “البعض يشعر كأنه هناك حيلة، لكن هذا ليس صحيحا. هناك قواعد تحكم السوق العمومي وفرنسا بلد القانون”. وتابع: “إذا كانت بعض الوزارات التي تعمل ليلا ونهارا تستعين بشركات تقدم لها خدمات والاستشارة، فهذا لا يصدمني”، وفي السياق نفسه أكدت أميلي دو منشلان، وزيرة التحول الرقمي والخدمة العمومية أن “شركة “ماكنزي” لم تقرر إجراء أي اصلاح، لأن الكلمة الأخيرة في ما يتعلق بالإصلاحات التي نقوم بها في فرنسا تعود دائما إلى الدولة”. وواصلت “لم يتم تجريدنا من مسؤولياتنا. هذه الممارسة منتشرة واعتيادية في غالبية الأحوال”. أما وزير الحسابات العامة أولفييه ديسوبت، فأكد أن “شركة ’ماكنزي‘ لا تمثل سوى 5 بالمئة من النفقات التي سخرتها الدولة في مجال الاستشارة والاستراتيجية”.
وأضاف: “الوضعية الضريبية لشركة ’ماكنزي‘ محمية من قبل السرية الضريبية. لكن مصالحنا فتحت تحقيقا في نهاية عام 2021″، رافضا في نفس الوقت “التعليق على تداعيات هذا التحقيق” ومشيرا أنه “لا يوجد أي شيء نتستر عليه”.
أميلي دو منشلان، وزيرة التحول الرقمي والخدمة العمومية أكدت بأن” الدولة الفرنسية تتحمل مسؤولية اللجوء إلى هذه المكاتب الاستشارية”. لكنها اعترفت بأن “هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في سياسة تعامل الدولة مع هذه الشركات”، معلنة عن “تقليص الاستحقاقات المالية التي تدفعها الدولة للشركات الاستشارية الخارجية بـ15 بالمئة “.