ما هي وصيته.. ميشيل كيلو نصف قرن من النضال ؟

مرصد مينا – بروفايل

خيم الحزن بين أوساط السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد خلال اليومين الماضيين إثر وفاة “ميشيل كيلو” أحد أبرز وجوه المعارضة في باريس جراء إصابته بفيروس كورونا..

من هو ميشيل كيلو

ولد المعارض السوري “ميشيل كيلو” عام 1940 في محافظة اللاذقية الساحلية، لأب مثقف كان يعمل شرطيًا في بلدية المحافظة، وتلقى تعليمه في المحافظة ذاتها.

عمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي، كما كان عضوًا سابقًا في “الحزب الشيوعي السوري”، وشغل منصب رئيس مركز “حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير” في سوريا.

نشط كيلو عام 2000 بكتابة المقالات في عدد من الصحف اللبنانية، شرّح فيها الفساد السياسي والاقتصادي، بعد أكثر من 30 عامًا من حكم استبدادي أمني قمعي، عاشه السوريون في ظل نظام حزب البعث.

بعد وفاة رأس النظام السوري السابق، “حافظ الأسد”، وتقلّد ابنه “بشار” مناصب الحكم، أُغري المعارضون السوريون وفي مقدمتهم ” كيلو”، للقيام بنشاط سياسي أٌطلق عليه “ربيع دمشق”، حيث شهد ظهور المنتديات السياسية، و”لجان إحياء المجتمع المدني”.

كان كيلو حينها ناشطًا في لجان إحياء المجتمع المدني، وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق عام 2006، الذي طالب بإصلاحات سياسية أثناء ما عرف آنذاك بـ”ربيع دمشق”.

لم يدم “ربيع دمشق” طويلًا، إذ ألغت الأجهزة الأمنية كل المنتديات السياسية واعتقلت الكثير من المعارضين، من بينهم “كيلو”، حيث حكم عليه بالسجن لثلاث سنوات حينها.

تعرض كيلو لتجربة الاعتقال في السبعينيات دامت عدة أشهر، سافر بعدها إلى فرنسا حتى نهاية الثمانينات، نشر بعض الترجمات والمقالات، ولم يستأنف نشاطه بوضوح حتى حلول ربيع دمشق.

أعتقل ثانية بتاريخ 14-5-2006 بتهمة إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات المذهبية. وذلك بعد توقيعه بيان إعلان دمشق2006.

كما أحيل  ليحاكم أمام القضاء العادي، ثم جرى تحويله ليحاكم أمام المحكمة العسكرية، وفي مايو/أيار 2007 أصدرت المحكمة حكماً عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام بعد إدانته بنشر أخبار كاذبة وإضعاف الشعور القومي والتحريض على التفرقة الطائفية.

تم الإفراج عن ميشيل كيلو قبيل منتصف الليلة الثلاثاء 19/5/2009، بعد خمسة أيام على انتهاء حكمه بالسجن ثلاث سنوات.

مع انطلاق الثورة السورية  ضد النظام عام 2011، أيد كيلو المظاهرات السلمية منذ انطلاقها وللمطالبة بالحرية والديمقراطية، مما عرّضه لمضايقات غادر على إثرها سوريا، لكنه واصل نضاله السلمي فانخرط في الحراك السياسي للثورة، وفي العام 2013 انضم “كيلو” المعروف بتوجهه الليبرالي إلى “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، لكنه انسحب عام 2016 من الائتلاف الوطني بسبب خلافات داخلية.

بعد ذلك انسحب “كيلو” من المشهد السياسي، واستقر في باريس، حيث تفرغ للكتابة حتى رحيله، لتشريح ما جرى خلال عقد كامل من عمر الثورة.

ترجم بعضًا من كتب الفكر السياسي إلى العربية، ومنها كتاب “الإمبريالية وإعادة الإنتاج”، و”لغة السياسة” للكاتب “جورج كلاوس”، وكذلك كتاب “الوعي الاجتماعي”، وكتاب “السياسة في الحرب العالمية” لماكس فيبر، و”نظرية الدولة” لنيكوس بولانتزاس.

كما صدر له مؤخرًا كتاب “من الأمة إلى الطائفة”، وهو عبارة عن دراسة نقدية لحكم البعث والعسكر في سوريا، درس فيها الكاتب المرحبة نقديًا، على ثلاث مراحل، امتدت أولاها من عام تأسيس “حزب البعث العربي” العام 1947 إلى العام 1966، سنة الانقلاب.

أما الثانية فتمتد من انقلاب 23 شباط 1966 إلى 16 تشرين الثاني 1970، عام انفراد الفريق حافظ الأسد بالسلطة، والثالثة من العام 1970 إلى قيام الثورة السورية في آذار 2011.

بالرغم من الخلافات الحادة التي تعاني منها الساحة السياسية السورية، إلا أن العديد من الناشطين والسياسيين تفاعلوا على نطاق واسع مع خبر وفاة كيلو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

في أكثر من مناسبة، وخلال لقاءات تلفزيونية وصحفية شدد “كيلو”، أن الشعب السوري يحتاج إلى بناء كيان سياسي جديد، يشعرهم أن تمثيلهم “معزز”، ويدفع العالم إلى أخذ مصالح السوريين بالحسبان، واصفًا الممثلين الحاليين “بفاقدي الاعتراف”.

وبحسب “كيلو” فإن هذا الكيان الجديد لا يجب أن يمر بالضرورة على “جثة الائتلاف وهيئة التفاوض”، ولكنه يمكن أن يلعب دور “سدّ النقص” في الهيئات السياسية الموجودة، ويزيل “العجز” من أدائها.

فارق “كيلو”الحياة يوم الاثنين، 19 نيسان\ أبريل 2021  في العاصمة الفرنسية باريس عن عمر يناهز 80 عاما جراء إصابته بفيروس كورونا.

قبل وفاته بأسبوع كتب المعارض السوري، ميشيل كيلو، وصية وجهها للشعب السوري، أثناء خضوعه للعلاج من فيروس “كورونا” في إحدى مشافي العاصمة الفرنسية باريس.

ونشر أصدقاء كيلو نص الوصية، التي وحملت عنوان “كي لا تبقوا ضائعين في بحر الظلمات”.

وجاء في نص الوصية : “لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة كمتعارضة مع المصلحة العامة، فهي جزء أو يجب أن تكون جزءا منها”.

وأضاف كيلو: “لا تنظروا إلى وطنكم من خلال أهدافكم وإيديولوجياتكم، بل انظروا إليهما من خلال وطنكم، والتقوا بمن هو مختلف معكم بعد أن كانت إنحيازاتكم تجعل منه عدوا لكم”.

وتابع كيلو قوله: “في وحدتكم خلاصكم، فتدبروا أمرها بأي ثمن وأية تضحيات، لن تصبحوا شعبا واحدا ما دمتم تعتمدون معايير غير وطنية وثأرية في النظر إلى بعضكم وأنفسكم، وهذا يعني أنكم ستبقون ألعوبة بيد الأسد، الذي يغذي هذه المعايير وعلاقاتهم، وأنتم تعتقدون بأنكم تقاومونه”.

وقال كيلو في وصيته للسوريين: “ستدفعون ثمنا إقليميا ودوليا كبيرا لحريتكم، فلا تترددوا في إقامة بيئة داخلية تحد من سلبياته أو تعزلها تماما”.

وزاد: “لا تتخلوا عن أهل المعرفة والفكر والموقف، ولديكم منهم كنز.. استمعوا إليهم، وخذوا بما يقترحونه، ولا تستخفوا بفكر مجرب، هم أهل الحل والعقد بينكم، فأطيعوهم واحترموا مقامهم الرفيع”.

وفي ختام الوصية أوصى كيلو السوريين باعتماد أسس للدولة “يسيرون عليها ولا تكون محل خلاف بينهم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لهم”.

واعتبر الراحل أن “استقرار هذه الأسس يضمن استقرار الدولة، الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة”.

Exit mobile version