نبيل الملحم
ما من نظام عبر تاريخ الإنسان إلا واستند إلى مبررات ليدوم، ولحظة سقوط المبررات يسقط، هذا ليس في عالم الإنسان فحسب، ففي عالم الحيوان يقدّم الفيل أمثولة في قيادة القطيع، ذلك أنه حين يعجز بسبب الشيخوخة أو العجز عن القيادة، يغادر قطيعه ويذهب إلى ما يمكن تسميته مقبرة الفيلة، ويتمدد حتى الموت تاركاً أسنانه لصيادي العاج.
هذا في عالم الفيلة، واليوم يتساءل السوريون:
ـ ما الذي تبقّى للنظام ليبقى جاثياً على قلوبهم ومصائرهم؟
ـ وعد بتحرير فلسطين من الماء إلى الماء، وتخلّى عن الجولان بـ “الانسحاب الكيفي”، فكان سقوط القنيطرة أسهل على الإسرائيليين من لعبة “الداما”، وأقل تكلفة من إطلاق صاروخ.
ـ وعد بالوحدة العربية، فتحوّل لذيل للإيراني، وأيّ إيراني؟ إيران “الخميني” وسطوة الملالي، بمطامعها في العراق والخليج.
ـ وعد بالاشتراكية، فشارك الناس بلقمتهم، أما لقمته فكانت له وحده، وصولاً إلى حرمان الناس من اللقمة.. أيّة لقمة سوى لقمة النقمة.
ـ وعد بالحرية، فكانت السجون أكثر ازدحاماً من المدارس والمساجد، وبات مجهولو المصير أكثر عدداً من السكّان المعلومين، الذين يتحسبون مع أنفاسهم ليتحولوا إلى مجهولي المصير.
ـ أنفق على الجيش دهراً ليحوّل الجيش إلى عصابة، تغادر الثكنات وتحتل الأزقة والشوارع والأسواق ومفارق الحارات.
وعد بالعلمانية، فكرّس الطائفية فأنتج “داعش” في اليسار، و”داعش” في اليمين، و”داعش للسنة” و”داعش للعلوين”، وحتماً لم يبخل على دواعش المسيحيين ودواعش الاسماعيليين ودواعش الدروز، فدعوش العلمانية حتى انتهاك العلمنة، فحوّل البلاد من بلاد إلى دشمة، ومن دشمة إلى عصابة، ومن عصابة إلى ساحات اقتتال، ومع الدعوشة والتطييف والاقتتال انتهك الخبز، فباتت بلاد انتاج القمح القاسي مستوطنة للجائعين، ومن بعدها أسقط الدولة لحساب العائلة، فأنتج فيما أنتج مرابية عنوانها “سيّدة الياسمين”.
انتهك الصناعة والصناعيين، ومعها انتهك الزراعة والمزارعين، وزاد بالانتهاك، انتهاك شرف الناس.. ناس الأبوة وناس الأخوّة، وناس الأمومة، وناس الأرحام ما قبل الولادات.
واليوم فليعطنا هذا النظام مبرر لبقائه.. مبرر لا على التعيين.. مبرر وليس مأثرة.. مبرر وليس انجاز تاريخي، مبرر يأتي بمصاف العادي كما لو مبرر عنزة تدر الحليب، أو كلب يحمي ساحة الدار، أو حمار لرفع الأثقال.
مبرر ليس بمستوى سكك الحديد وخطوط الطيران وتحلية مياه البحر أو تبليطه أو ريادة الفضاء.
لا.. كل المطلوب أن يكون له مبرراً بوسع التيس أن يقدّمه للقطيع.
مرة واحدة سيكون لهذا الطراز من الأنظمة بعض الاحترام.
يحدث هذا إذا ما اتبعت ولو لمرة واحدة مأثرة “فيل القطيع”.
أن يخرج من سوريا إلى مقبرة ما.
بأسنانه وأنيابه إياها، وحتماً لن يعثر صيادو العاج على أسنان هكذا نظام.
ربما لأنه قد نسيها مغروسة في لحم الناس.
ملايين الناس الذين يصرخون:
ـ القليل من الطحين.
ـ القليل من الأمان.
خذوا كثيركم وارحلوا.