نصف عقد من حكم آل الأسد، مبررات صعود الأب إلى السلطة يمكن تحديدها بـ :
ـ روح المؤامرة، والإمساك بتقنياتها.. تفاصيلها.. موجباتها وواجباتها.
ـ الاستيلاء على العسكر، وتكريس سلطة العسكر.
ـ النوم بين رأس السوري ووسادته وتغوّل أجهزة الاستخبارات، وتسللها حتى إلى منامه، ماجعل السوري، إما تحت سيف السلطة أو احتياطي لسيفها.
ـ القضية الفلسطينية، وقد باتت بمثابة واق للرصاص، ومعها لم يحصد الأسد الأب نصرًا للقضية بالحرب، فيما أعاق انتصارها بالسلم.
مع كل ما سبق، حوّل الأسد الراحل حكومته إلى “رب عمل”، بما جعل السوري يقتات الخبز، ولا تنال منه مشاعر الرفاهية، واكثر من ذلك كان لحلمه الامبراطوري، ما يسمح له، بأن يجعل للدولة هيبة.. هي هيبة هشّة، كاذبة، مبنية على قدرة الإعاقة، أي نعم، ولكنها هيبة.
رحل الأب، محمّلاً بالألقاب بما زاد عن تسع وتسعون لقبًا، بعضها يتسع لها، وبعضها يفيض عليه وعنه، دون نسيان أن الكثير منها اعتداء على صلاحيات الله في كائناته كما حال “الخالد” و “إلى الأبد”.
وجاء الابن، لا لاستكمال مسيرة الأب، بل ليبني مسيرته.
مسيرة لامكان فيها للمؤامرة بتقنياتها وتفاصيلها .. موجباتها وأسبابها، فقد ورثها كما ورث قميصه، وأحذيته، كما ورث العسكر.. الاستخبارات، والقضية الفلسطينية.
معه، تحوّل السوري من “يقتات الخبز”، إلى محروم من اللقمة، ومعه انحدر قطاع الدولة بوصفه رب العمل، وصعدت العصابة باعتبارها صاحبة النقمة والنعمة، فبيع قطاع الدولة بعد أن نهب، وبيع تراث الأب بدءًا من قبعته العسكرية، وصولاً إلى “الهيبة”، وقد تحوّل الولد إلى رجل يتقن عزل البلد، بالغرور والصلافة، لا بالعقل والحكمة، وكلاهما (العقل والحكمة) امتلكهما الأب، كما لو لاعب يعرف كيف يوظفهما دونما حاجة لامتلاك الضمير، فالبراغماتية االسياسية، كما الميكافيلية، سمحتا له بنيل الغاية التي تبرر الوسيلة، فأتقنها، وليس هذا حال الابن وقد أخذ عن أبيه دمويته، دون أن يأخذ منه دمه، وتعالوا نستذكر:
ـ هل سمع أحد من السوريين بزيارة قام بها الرئيس الوارث، لقبر الرئيس الراحل في صباح عيد او مناسبة موت يشكل فيها الأبناء الآس على قبور ذويهم؟
لم يحدث ذلك، وبنظرة سريعة إلى مصر، فلا قبر عبد الناصر هجره السادات، ولا قبر السادات هجره مبارك، ولا قبر مبارك يهجره الأبناء ولا السيسي، ولكل من الراحلين متحفه، فيما رحلت مقتنيات الراحل الأسد إلى مستودعات الخردة، وهذا ما لايفعله ابن يتذكر والده.
ورث الولد موت البلد، فأعاد إماتتها.
وهاهم السوريون اليوم يُغتَصَبون للمرة الثالثة، و بـ “الانتخابات”، و “صنادق الاقتراع” و بـ “الديمقراطية”، وكل مالهم من حول ومن قوة هو :
ـ الدبكة.
دبكة بمرافقة مطرب “لايف”، ودبكة بمرافقة مطرب مكبر صوت.
ومازال رجال حرّاس النظام ينامون مابين الرأس والوسادة، مع فائض من الألقاب للرئيس الشاب.
الشاب وقد حوّل البلد إلى عجوز من عجائز الأمم.
عجوز في دار الرعاية الإيرانية طورًا.. الروسية طورًا آخر، وفي رعاية الميليشيات والعصابة في كل طور.
مبروك فوز الرئيس بالرئاسة.
مبروك يابلد يأكل فيه السوري من لحمه ليعيش (يأكل من لحمه حرفيًا لامجازًا).