يذهب “نصري الصايغ”، والرجل من الكتاب اللبنانيين الذين لم يباعوا ولم يشتروا إلى تساؤل، معضلة، لمسألة معضلة:
ـ متى يفك “حزب الله” ارتباطه الأمومي بإيران؟
بلا شك فالارتباط الأمومي أبعد من الارتباط الأبوي، ما يعطي للعنوان ممرًا نحو الخلاصات.
يبدأ الرجل بالقول “يلزم أن نتوقف عن الكتمان والإختباء”، وفي استهلاله هذا، يعلن أنه يقدم على خطوة شجاعة في مواجهة “حزب السلاح”، فالرجل يتجرأ على “ما هو في مرتبة المستحيل، من زمان قديم إلى حاضر ميؤوس منه”.
سيبتعد الصايغ أكثر من حزب الله ليطرح سؤالاً آخر:
متى يمكن لبننة “اللبنانيين”، كل “اللبنانيين”؟
سيجيب مطولاً عن سؤاله وبالوسع اختزال اجابته بـ “لبنان تاريخياً، هو مسقط رأس “اللبنانيين”، ولكنه موطىء قدم قوى إقليمية ودولية. ولا مرة كان لبنان لبنانياً، حتى عند عتاة “الإنعزال” اللبناني. الأفرقاء المقيمون معاً في هذا الكيان، عابرون للحدود. حدود لبنان رخوة جداً. سيادة الكيان إسم على غير مسمى، يدعى لبنان”.
كلام الصايغ هذا يقول أن لبنان “وطنًا مؤقتًا”، ما يجعل اللبننة أمرًا مستحيلاً، وحين يأتي الكلام ععن “حزب الله” فـ “حزب الله” يمثل فريقاً شيعياً فقط. هو الأنقى طائفياً. الشيعة فقط، هم أعمدة الهيكل وقواعده وقواه. “النقاء” الشيعي مشكلة إضافية. الأبواب مغلقة، والسبب عقدي ديني، لا سياسي. وبناء الكيانات على أسس دينية عقدية، ثم، سياسية، يجعل من “الحزب” قلعة تطمئن ناسها، وتُثير الخشية عند الآخرين”.
“نقاءه الشيعي”، و”النقاء هنا ليس فضيلة”، سيكون واحدًا من الأسباب التي بوسعها تشييع الحزب، ولكنها لن تكون وبالضرورة معبرًا للبنانيته، هذا عامل أول، أما العامل الثاني، فهو أن “حزب الله” في وسط المعركة، معركة مع اللبنانيين من جهة وعلى جبهات مفتوحة مع الاقليم بدءًا من سوريا وصولاً للعراق مروراً باليمن التعيس، ولا أحد يلقي سلاحه وسط لمعركة، ولن يكون لبنانيًا “حتى ولو أصبحت لديه قناعة، وهذا من باب المستحيل”، وهذا استخلاص الصايغ وقد دعم استخلاصه بالمزيد فـ “حزب الله لن يقدم على فك حبل الصرة بينه وبين إيران.. فهو الأكثر إلتصاقاً بـ”أمه الإيرانية” وبذلك بات الجواب واقعيا فـ “اللبننة مشبوهة حتى الآن”. أكثر من ذلك “اللبننة الوطنية بحاجة إلى ثقافة ترسي إستقلالاً منفتحاً على إقليمه ومحيطه العربي، بشرط، يبدو من المستحيلات أيضاً، هو أن تصبح الوطنية السورية راسخة، بديلاً عن الحزبية، والأقوامية، والعسكرتارية. الوطنية تحميها الديموقراطية الحقيقية، وتلغيها الإستبدادية”.
كلام الصايغ هذا ينطبق على اللبنانيين كل اللبنانيين ولكل منهم مرضعة، وبذلك لن يكون لبنان ليس مفتاح التبدل في المنطقة، وكل مايميز لبنان عن بقية دول المنطقة هو أن “أمراضه مشينة، ومعلنة، أمراض الآخرين شنيعة ولكنها مكتومة.. فلا لبننة في بنية “عربية” تُصدّر إسلاماً سياسياً مُدمراً ومُخرباً ومُعادياً للديموقراطية والمساواة والعدالة”.
في مثل هذه الموجة الكاسرة، لا إمكانية لطرح السؤال التالي: متى يفك “حزب الله” إرتباطه الأمومي بإيران”، والأسباب حزمة واسعة من الأسباب، ما يستدعي السؤال :
ـ ماذا لو يجيب “حزب الله” عن مضمون “لبنانيته”، وعمق إحتضان إيران له؟
طبعاً، هذا سابق لأوانه كثيراً. ربما تسمح ظروف ما بعد “الخلاص” بأن يطرح الحزب على نفسه: “هل أستقلُ عن إيران وأصير لبنانياً”؟
يؤكد الصايغ بأن “هذا لن يحصل”، فلبنان ماض إلى مداواة مآسيه، بمآس آتية.. لا أحد مستعد للتنازل. لا الفرقاء الضعفاء المستقوون بالخارج، ولا الفرقاء الأقوياء الراسخون في علاقاتهم مع دول الإقليم، سعودياً وإيرانياً .
ـ متى يتلبنن “حزب الله”؟ هذا القول مجحف. السؤال المؤلم للجميع: متى يتلبنن اللبنانيون، كل اللبنانيين؟ ليس في المدى المنظور. لبنان منذور منذ ولادته، ليكون ضحية نفسه، وبمساندة أعدقائه. ليت هذا السؤال يُسأل بعد قرن من الآن. فقد يجد اللبنانيون مصلحة في تكوين وطن حر، سيد، مستقل، منفتح على أمة تتسع للمواطنة والديموقراطية والوحدة. حتى ذلك الوقت، قد تكون الصلوات مجدية أكثر من التفكير.
تلك خلاصة الصايغ:
الصلوات أجدى من التفكير.