زاوية مينا
بتعاون وثيق، تحالف اثنان على اغتيال حسن نصر الله، بنيامين نتنياهو وبشار الأسد.
قد يبدو كلاماً مرسلاً غير أن ثم وقائع لا تنال من جدية هذا الكلام بل ودقته، فمسؤولية نتنياهو صريحة بلغ وزنها ما يزيد عن ثمانية أطنان من المتفجرات، أما مسؤولية الثاني فتلك التي تتطلب الاطلاع على ما كشفه مسؤولون سابقون وحاليون في الاستخبارات الإسرائيلية، والذي يفيد بأن انخراط “حزب الله” في الحرب السورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، كان بمثابة “كعب أخيل” الذي سمح لتل أبيب بتحقيق طفرة في اختراق الحزب، بعدما ظلت بنيته السرية عصية على الاختراق لعقود.
حسب هؤلاء وبحسب المسؤولين الحاليين والسابقين الذين تحدثوا في تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، هو “عمق ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين”، بدءاً باغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر نهاية (تموز) الماضي.
هذا التغير النوعي، بحسب هؤلاء، استند إلى “الصورة الاستخباراتية الكثيفة” التي أتاحها نشر “حزب الله” عناصره في سوريا في 2012 للمساعدة في إخماد الاحتجاجات، وهو ما شكل انكشافاً أظهر “من كان مسؤولاً عن عمليات الحزب، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة”.
سيتابع هؤلاء القول أنه لمواكبة الحرب الممتدة في سوريا، اضطر “حزب الله” إلى توسيع قاعدة تجنيد العناصر، ما جعله “أكثر عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون عملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين”. ما أدى إلى نتيجة مفادها أن “التوسع في سوريا أضعف آليات الرقابة الداخلية، وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير”.
وإضافة إلى فرص الاختراق، وفرت الحرب في سوريا لجواسيس إسرائيل وخوارزمياتهم “نافورة من البيانات”، معظمها متاح للجمهور، مثل “ملصقات الشهداء” التي استخدمها “حزب الله” بانتظام لنعي قتلاه في سوريا، وهي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. كانت الجنازات أكثر كشفاً، إذ أخرجت أحياناً كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.
تقرير لـ “فايننشال تايمز” كان نقل عن سياسي لبناني سابق رفيع المستوى قوله إن اختراق “حزب الله” من قبل المخابرات الإسرائيلية أو الأميركية كان “ثمن دعمهم للأسد”. وأوضح: “كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سوريا، واضطرت الجماعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري بكل فساده، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين”.
مثلت “ملصقات الشهداء” التي كان الحزب يوزعها لقتلاه في سوريا وصور تشييعهم مصدراً مهماً للمعلومات
تحول الحزب من كونه “منضبطاً للغاية ومتشدداً إلى السماح بدخول عدد أكبر بكثير من الناس”.
بموازاة هذه الطفرة في جمع المعلومات من أقمار التجسس والمسيّرات المتطورة وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت، أنشأت إسرائيل “الوحدة 9900” التي تكتب خوارزميات تغربل كميات هائلة من الصور المرئية للعثور على أدنى تغيرات، على أمل تحديد فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.
تقرير فايننشال تايمز أضاف أنه “بمجرد تحديد هوية أحد عناصر (حزب الله)، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه”.
وهذه العمليات يمكن التعرف عليها من مصادر مختلفة مثل مسيّرة تحلق في السماء، أو من خلال بث كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من خلال صوته المسجل على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وفقاً للعديد من المسؤولين الإسرائيليين.
يشرح أحد هؤلاء المسؤولين لـ فايننشال تايمز أن “أي انقطاع عن هذا الروتين يصبح بمثابة تنبيه لضابط الاستخبارات لفحصه، وهي التقنية التي سمحت لإسرائيل بتحديد القادة متوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت الجيش الإسرائيلي عبر الحدود. وفي مرحلة ما، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسباً لهجوم”.
خلال الشهور الماضية، نجحت الاستخبارات الإسرائيلية تقريباً في إتقان تقنية سمحت لها، على الأقل بشكل متقطع، بتحديد مكان نصر الله الذي كان يعيش تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.
وفي الأيام التي أعقبت السابع من (تشرين الأول) الماضي، أقلعت الطائرات الحربية الإسرائيلية حاملة تعليمات بقصف موقع لنصر الله كان قد تم تحديده من قبل مديرية الاستخبارات الإسرائيلية “أمان”. ثم ألغيت الغارة بعد أن طالب البيت الأبيض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بذلك، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين.
لكن يبدو أن هذا الاعتراض لم يتكرر يوم الجمعة الماضي حين حددت الاستخبارات الإسرائيلية مكان نصر الله مرة أخرى متوجهاً إلى “مخبأ القيادة والسيطرة”، على ما يبدو لحضور اجتماع ضم العديد من كبار قادة الحزب وقيادي كبير من “الحرس الثوري”، ونفذت ضربتها الصادمة.
قراءة هذا التقرير يقود إلى سؤال بالغ الوضوح:
ـ متى يصرخ بنيامين نتنياهو قائلاً:
شكراً بشار الأسد؟