محاكم ما بعد الحرب

مرصد مينا

قد يتحوّل المستقبل إلى “زمن آخر”، ممتلئ بالأسئلة، فعلى المستوى الفلسطيني سيكون السؤال:

ـ لمن ستكون غزة، لحماس أم لحكومة أبو مازن؟

ولا بد أن الإجابة بالغة الصعوبة في مناخ هو “الشقاق الفلسطيني” وقد عمّقته الحرب.

أما على مستوى إسرائيل فالسؤال سيكون:

ـ من سيحاسب بنيامين نتنياهو وقد أثبت فشلاً ذريعاً هدم فيما هدم أسطورة التفوق الإسرائيلي.

حتى اللحظة الفلسطينيون غير منشغلين بالإجابة عن سؤال المستقبل، فالوقت لم يتسع بعد لما يزيد عن لملمة أشلاء ضحايا الحرب، غير أنه على الجانب الإسرائيلي فالكل منشغل بالسؤال:

ـ استقالة نتنياهو أم محاكمته؟

الصحافة الإسرائيلية تغرق في السؤال، ومن بينها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” فقد كتبت: “إن الجميع في إسرائيل متفقون تقريباً على ضرورة استقالة نتنياهو، لكن السؤال هو متى: خلال الحرب؟ أم مباشرة بعد انتهاء الحرب؟ أم بعد أن تقول لجنة تحقيق كلمتها حول مدى مسؤوليته في مجزرة 7 أكتوبر؟ ومع ذلك، لا يبدو أن أحداً يطرح سؤالاً إضافياً: هو متى يتم تشكيل لجنة التحقيق نفسها؟”.

فيما يتعلق بالسؤال الأول، ترى الصحيفة  أنه لدى الجانبين وجهة نظر مبررة، فالجماهير الرافضة لاستقالة نتنياهو لديها حجة واضحة ومفهومة، مضيفة أن لا أحد يغير قبطان السفينة في وسط عاصفة كبرى، وتعتبر أن الأمر الأكثر تعقيداً هو عدم وجود نائب لرئيس الوزراء، وهو ما قد يؤدي إلى فوضى سياسية وأن مثل هذا التحول سيكون بمثابة كارثة مع استمرار المعارك العسكرية.

وتضيف أن الجماهير المؤيدة لاستقالة نتنياهو لديها أيضاً حجة قوية بنفس القدر، باعتبار أن نتنياهو نفسه ألقى خطاباً في عام 2008 انتقد فيه رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت لعدم استقالته في مواجهة النتائج المتعلقة بالحرب ضد حزب الله (2006)، وذلك بعد ارتكابه عدة أخطاء.

ستزيد إسرائيل تايمز أن “السبب الثاني هو غياب الثقة بالقيادة، ما يجعل أي قرارات تتعلق بسير هذه الحرب في موضع شك في نظر العديد من الإسرائيليين، وهذا يقوض بشدة المجهود الحربي في ظل فقدان ثقة القيادة وانخفاض الروح المعنوية”.

مقال الصحيفة جاء ممهوراً بتوقيع الكاتب سام ليمان، فهو يرى “أنه نظرا لامتلاك كلا الطرفين وجهة نظر قوية، فإن الحل يكمن في تشكيل لجنة تحقيق رسمية فورية، وتتم على مرحلتين، الأولى أن يقرر مجلس الوزراء بكامل أعضائه تشكيل اللجنة والموضوع الذي ستحقق فيه، والثانية تكون بتعيين رئيس المحكمة العليا والأعضاء الآخرين في اللجنة”.

ويحاجج الكاتب بالإشكاليات المتوقع أن تبرز في هذا الشأن، منها “أن الحكومة ستسعى لتضييق الخناق على التحقيق لتجنب التشكيك باستراتيجية نتنياهو التي اتبعها في دعم حماس مقابل إضعاف السلطة الفلسطينية، وهو ما يساعد على تقويض احتمال حل الدولتين. كذلك أن الأشخاص المطلوبين في التحقيق لسماع شهاداتهم هم حالياً مشغولون جداً ولا يمكنهم الحضور للشهادة وتقديم الأدلة”.

ومن وجهة نظر الكاتب فإن هذه الحجج مردود عليها، معتبراً أن العديد من الأشخاص المؤثرين في التحقيق اعترفوا طوعاً بمسؤوليتهم الشخصية والمهنية عن ما جرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وأن مدد التحقيق من الممكن أن لا تكون طويلة.

ويختم الكاتب مقاله باستنتاج يقول فيه إن “تشكيل لجنة تحقيق حكومية الآن يمكن أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد، منها إصدار حكم علني في أسرع وقت ممكن، ومنع رئيس الوزراء من إطالة أمد الحرب، والسماح للمجتمع الإسرائيلي وسياساته بالتحول إلى وضع أقل توتراً قريباً”.

بطبيعة الحال، فما ينطبق على إسرائيل، لن يسري على العرب، سواء فلسطينيين أم غير فلسطينيين، فلم يسبق يوماً أن حوكم زعيم عربي أو حكومة عربية على “هزيمة” في حرب، أو عن “التسبب” في ضحايا حرب.

لم يحدث هذا مابعد حرب ١٩٤٨ ولا ما بعد ١٩٦٧ ولا أعقاب أكتوبر ١٩٧٣ ولا في الحروب اللاحقة التي تنتهي فيها الحرب ولا تشهد على سؤال:

ـ من تسبب بالهزيمة؟

ذلك هو الفارق ما بين ضفتي صراع، على الضفة الثانية، ونعني “الضفة الإسرائيلية”:

ـ ممنوع الهزيمة.

وإن حدثت فالمحاكمة.

Exit mobile version