مرصد مينا – ليبيا
تحركت مساء أمس الأحد، مئات الآليات العسكرية وعلى متنها مسلحون في موكب ضخم من المنطقة الغربية نحو العاصمة طرابلس.
التحركات تأتي في الوقت الذي تبدأ فيه اليوم الاثنين، الاجتماعات الأخيرة لملتقى الحوار السياسي الليبي في مدينة جنيف السويسرية، التي ستبت بالقيادة السياسية الجديدة للبلاد لإدارة مرحلة انتقالية، حتى نهاية العام الحالي وإجراء انتخابات، وسط تهديدات من قبل الأطراف المتنازعة وعدم خروج المرتزقة في موعدها المحدد والذي كان من المفروض أن يتم في 23 يناير/ كانون الثاني الجاري، وفق ما حددت الأمم المتحدة.
وأعلنت القوات المتحركة إلى طرابلس في بيان مصوّر، توحيد صفوفها وحل خلافاتها وفتح الطرق بين المناطق ودعم عودة كل المهجرين.
كما هاجمت الميليشيات في بيانها، وزير الداخلية وأحد أبرز المرشحين لمنصب رئاسة الحكومة “فتحي باشاغا”، وأعلنت رفضها لعملية “صيد الأفاعي” بالمنطقة الغربية التي يعتزم “باشاغا” إطلاقها لملاحقة المهربين، معتبرة أنها عملية وهمية من أجل مصالح سياسية.
ليبيا تشهد فوضى عارمة غذتها تدخلات أجنبية منذ سقوط نظام “معمر القذافي” في العام 2011، وتشهد نزاعا في الفترة الأخيرة بين سلطتين، يتمثل بحكومة الوفاق الوطني المدعومة تركياً، والتي تتخذ طرابلس مقرا لها، وسلطة عسكرية يقودها الضابط “خليفة حفتر” في شرق البلاد.
آلية الاختيار..
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء أول أمس السبت، عن قائمة المرشحين للمجلس الرئاسي ومنصب رئيس الوزراء، ضمن ملتقى الحوار السياسي الليبي، ونشرت أسماء المرشحين الذين بلغ عددهم 24 مرشحا للمجلس الرئاسي، و 21 مرشحا لرئاسة الوزراء.
بحسب آلية الاختيار التي أقرها الملتقى هذا الشهر، سيقوم كل مجمع انتخابي (إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة: طرابلس، وبرقة، وفزان) بتسمية مرشحهم للمجلس الرئاسي معتمدا على مبدأ التوافق في الاختيار، وإذا تعذر التوافق على شخص واحد من الإقليم، يقوم كل إقليم بالتصويت على شخص، ويفوز المرشح الذي يحصل على 70 بالمئة من أصوات الإقليم.
إلى جانب ذلك، في حال تعذرت هذه الآلية، يتمّ التوجه إلى تشكيل قائمة من كل إقليم مكونة من 4 أشخاص، تحدد كل قائمة المنصب الذي سيترشح له الإقليم، إما رئاسة المجلس الرئاسي أو عضويته أو رئاسة الحكومة. وتدخل القائمة إلى التصويت من قبل أعضاء ملتقى الحوار السياسي، شريطة أن تحظى ب 17 تزكية (8 من طرابلس، 6 من برقة، و3 من فزان)، وتتحصل على 63 بالمئة من أصوات أعضاء الملتقى السياسي في الجولة الأولى.
أما إذا لم يتم التوصل لهذه النسبة، تعقد جولة الثانية بعد يومين، ويتم الاختيار بين القائمتين اللتين حصلتا على أعلى نسبة، على أن يتم اختيار القائمة التي تفوز بـنسبة 50 بالمئة + 1.
وستفضي هذه الآلية إلى اختيار رئيس الوزراء، ومجلس رئاسي ليبي مكون من رئيس ونائبين (من أقاليم ليبيا الثلاثة) من أجل الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية حدد موعدها يوم 24 كانون الأول/ديسمبر القادم.
مرتزقة تهدد الحل..
في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، حددت الأمم المتحدة يوم 23 من الشهر ذاته، لخروج جميع المرتزقة من ليبيا، ولكن بحلول الموعد لم تخرج أيا منها من البلاد، مما يثير تساؤلا عن إمكانية تحقيق ذلك المطلب الأساسي لتحقيق الاستقرار في البلاد.
ودعا مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر/ كانون الاول الماضي، في بيان صدر بالإجماع بمن فيهم روسيا المتّهمة بأنّها أرسلت إلى ليبيا مقاتلين عبر مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة .
وبحسب مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا الأميركية “ستيفاني ويليامز”، يوجد حوالي 20 ألفا من “قوات أجنبية /أو مرتزقة” في ليبيا، معتبرة ذلك انتهاكا “مروعا” للسيادة الوطنية، كما أشارت إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.
وأشهر هذه المجموعات، مرتزقة “فاغنز” الروسية التي أرسلتها موسكو، والمرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بالإضافة إلى مرتزقة من تشاد وتونس وبعض الدول الأفريقية.
وتقدر الأمم المتحدة عدد مرتزقة فاغنر في ليبيا بـ2000 مقاتل، كما كشفت تقارير في سبتمبر الماضي، أن روسيا عززت دعمها اللوجستي لمجموعة فاغنر بحوالي 338 رحلة شحن عسكریة من سوریا في الأشهر التسعة المنتهیة في 31 یولیو.
مصادر حقوقية قالت إن عدد المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى الأراضي الليبية حتى الآن، بلغ نحو 18 ألف ” من بينهم 350 طفلا دون سن الـ18، وعاد منهم نحو 10750 إلى سوريا، بعد انتهاء عقودهم وأخذ مستحقاتهم المالية، بالإضافة إلى 2500 آخرين يحملون الجنسية التونسية.
علاقة حكومة الوفاق..
بيان القوات المتحركة أكد رفضه لمخرجات الحوار السياسي، ودعت رئيس حكومة الوفاق “فايز السراج” إلى إعادة لم شمل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات.
ويرى محللون أن هذه التحركات تأتي حماية ودعما لمنصب رئيس حكومة الوفاق “فايز السراج” في طرابلس والزاوية وغريان وبقية مدن الغرب الليبي، والذي يأمل في فشل الحوار السياسي بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة. وبدأ “السراج” يجهز نفسه للسيناريو الذي سيكون بديلا لهذا الفشل والمدعوم من عدد من الفصائل المسلحة وجهات سياسية داخلية، وفق مصادر خاصة لمينا، لا سيما وأنه تعرّض في الفترة الأخيرة لانتقادات من البعثة الأممية والسفير الأميركي بليبيا، وأصبح ينظر إليه على أنّه من الأطراف المعرقلة للحوار السياسي من أجل الاستمرار في السلطة.
“السراج” أكد في وقت سابق، أنه سيسلم السلطة نهاية أكتوبر/تشرين الأول العام الفائت 2020 بمجرد تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، لكن مع تعثر جولات الحوار السياسي بدأ في تعزيز سلطته ونفوذه، معيدا هيكلة “قوات الردع” الخاصة تحت قيادته، ثم أنشأ جهاز دعم الاستقرار بصلاحيات واسعة تحت قيادة زعيم قوات الردع ذاتها “عبد الغني الككلي”، وكلاها من خارج الجماعات الموالية لوزير الداخلية “فتحي باشاغا”.
فاغنر باقية..
خلال الأيام الماضية، كشفت صور للأقمار الصناعية أن مرتزقة “فاغنر” الروس، يقومون بحفر خندق ضخم حول مدينة سرت باتجاه قاعدة الجفرة معقل المرتزقة الروس، مما يؤكد أن مرتزقة فاغنر لا تنوي الخروج من ليبيا خلل الفترة المقبلة، وتنوي الاستقرار على المدى البعيد، وفقا لشبكة “سي إن إن”.
وأظهرت الصور عن سلسلة من أكثر من 30 موقعًا دفاعيًا تم حفرها في الصحراء وسفوح التلال التي تمتد لنحو 70 كيلومترًا، كما تظهر تكتلات دفاعية حول قاعدة الجفرة الجوية، وكذلك مطار براك جنوبًا، حيث تم تركيب وتحصين دفاعات الرادار الظاهرة.
“سي ان ان” نقلت عن مسؤول بالمخابرات الأميركية قوله إن الخندق هو سبب آخر “حتى لا نرى أي نية أو تحرك من قبل القوات التركية أو الروسية للالتزام بالاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، وهذا من شأنه أن يعرقل عملية السلام الهشة بالفعل ووقف إطلاق النار. سيكون عامًا صعبًا حقًا “.
وأكدت “كلوديا غازيني” من مجموعة الأزمات الدولية، أن الخندق “مثير للقلق حقًا”، وأن الحديث عنه “تم تداوله بين الدبلوماسيين خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو مستمر ويوحي بأن موسكو حريصة على ترسيخ وجودها في ليبيا”.