مرصد مينا – هيئة التحرير
تزامناً مع تواصل الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد في الشارع العراقي، تكشف مبعوثة الأمم المتحدة، “جينين هينيس” عن وجود ما يصل إلى 3 ملايين عراقي غير قادرين على تأمين حاجاتهم اليومية من الغذاء، لافتة إلى أن الفساد في العراق لا يزال مستشرياً منذ عقود في البلد، الذي يعتبر من أكبر مصدري النفط في العالم.
وكانت مصادر محلية عراقية قدرت حجم الفقر بالعراقي بنسبة 20 بالمئة من السكان، كما قدرت أيضاً معدلات البطالة بذات النسبة، لافتةً إلى أن النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل هم من أصحاب المؤهلات العلمية.
كما رجحت “هينيس” انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العراقي بنسبة 9.7 بالمئة، بسبب الانهيار الحاد في أسعار النفط، والذي أدى إلى خفض عائدات النفط إلى النصف تقريبا.
ظاهرة متجذرة ودعم من خارج الحدود
تعليقاً على تصريحات المبعوثة الأممية حول الفساد والفقر، يشير السياسي العراقي، “محمد عبد الغفور النعيمي” إلى أن كافة مشاكل العراق ترتبط بنسب الفساد المرتفعة داخل وخارج مؤسسات الدولة، موضحاً: “الفساد تحول إلى آفة حقيقية تدور حولها كافة مآسي الشعب العراقي منذ عام 2003 وحتى اليوم، بما فيها الفقر والجوع والجهل وانعدام الخدمات”.
وكانت منظمات عراقية شبه رسمية، قد أشارت إلى أن حجم الفساد في العراق، بلغ ما يتراوح بين 500 إلى 1000 مليار دولار منذ العام 2003، وهو ما يتجاوز ميزانيات دول مجتمعة، على حد وصف تلك المنظمات.
إلى جانب ذلك، يشدد “النعيمي” على أن الفساد عملياً تسلل إلى العراق من خارج الحدود مع هيمنة إيران على القرار السياسي، والتي أوصلت العديد من الحكومات الفاسدة إلى الحكم، في مقدمتها حكومة “نوري المالكي”، التي قال إنها مثلت أكثر حكومات العراق فساداً في تاريخه الحديث، مشيراً إلى أن نسب الفقر خلال فترة وجود “المالكي” ارتفعت بشكل ملحوظ.
وكان بعض السياسيين العراقيين قد دعو خلال الأيام القليلة الماضية، إلى إبرام صفقات مع شخصيات متهمة بالفساد، تقضي بتجنب العقوبة مقابل إعادة 90 في المئة المبالغ المنهوبة، ما أثار ردود فعل متباينة في الساحة العراقية.
كما يلفت “النعيمي” إلى أن تجذر الفساد داخل مفاصل الدولة العراقية، جعل من الفاسدين كتلة واحدة في مواجهة أي محاولة إصلاح مطروحة، على اعتبار أنهم تحولوا إلى منظومة مترابطة ومتصلة ببعضها، كأحجار الدومينو، مؤكداً أن الفساد لم يتوقف عند حد سرقة أموال الدولة العراقية إنما ساهم أيضاً بتدمير بنية القطاع الخاص والاستثمارات، التي كان من الممكن أن تخلق فرص عمل للعراقيين.
وسبق لوزارة التخطيط العراقية أن أعلنت عن توقف أكثر من 4 آلاف مشروع نتيجة سرقة الأموال المخصصة لها وسحب سلف مالية وهمية دون أي إنجازات على الأرض.
رجل إيران الذي عوم الفساد
على الرغم من اتساع نطاق الفساد في العراق وكثرة المتورطين فيه، إلا أن اسم رئيس الوزراء العراقي الأسبق، “نوري المالكي” كان أكثر الأسماء تداولاً، حيث يشير الباحث “علي الربيعي” إلى أن الفساد بدأ بالغلغل منذ سقوط النظام السابق وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، ولكنه ترسخ وتحول إلى وحد من مفاهيم العمل الحكومي العراقي، مع وصول “المالكي” إلى السلطة وبقاءه لأكثر من 8 سنوات متتالية، لافتاً إلى أن “المالكي” عمل على تعويم الفساد كوسيلة لكسب تأييد الأحزاب السياسية، خاصة المدعومة من إيران.
وكان العراق قد صنف في المرتبة 162 من أصل 180 بلد في مؤشرات الفساد بمنظمة الشفافية الدولية، كما احتل المرتبة السادسة عربيا.
في السياق ذاته، يؤكد “الربيعي” أن “المالكي” حول وزارات الحكومة إلى هدايا يوزعها على الكتل السياسية الداعمة له، واعتبر كل منها منحة للوزير ولحزبه، الأمر الذي جعل الفاسدين فوق كل اعتبار أو قانون، لا سيما في ظل توفير الدعم الإيراني المطلق للحكومة آنذاك، خاصةً وان الأحزاب الكبرى الموالية لإيران كانت تسيطر بشكل كامل على مجلس النواب، المكلف بمحاسبة الوزراء ورئيس الحكومة وسحب الثقة منهم.
كما يشير “الربيعي” إلى أن تدعيم الفساد بحد ذاته شكل مصلحة قومية إيرانية منذ سقوط “صدام حسين”، كونه منع تحقيق أي نهضة في البلاد وجعلها تابعة ومرتبطة بالقرار الإيراني بشكل كامل، عبر الفاسدين، مشدداً على أن تلك العوامل هي العوامل الحقيقية التي أبقت “المالكي” في منصبه لعدة دورات نيابية.
هل يصلح الكاظمي ما أفسدته إيران؟
أمام حالة الفساد المستشري، يعتبر المحلل السياسي، “سعد الدليمي” أن السؤال الأبرز المطروح حالياً: “هل بإمكان الكاظمي وحكومته وضع حد للفساد ومكافحته وإعادة الأموال المنهوبة؟”.
إجابةً على السؤال، يقول “الدليمي”: “حتى الآن يمكن القول بأن حكومة الكاظمي هي الأقل فساداً والأكثر جدية لمواجهة تلك الظاهرة، لكن ما يجب الانتباه له، هو أنه لا يمكن الحكم خلال أشهر أو أسابيع على مدى قدرة الحكومة على مواجهة ظاهرة راسخة منذ عقود، لا سيما وأن الفاسدين لا زالوا موجودين في مفاصل الدولة، وأن إقالة أو إقالتين لا تعني نهاية الفساد”، لافتاً إلى أن كثرة الملفات التي يواجهها “الكاظمي”، من الانتخابات والفقر والسيادة وسطوة الميليشيات والحرب على الإرهاب، ستحد حتى من جهود الحكومة في ملف الفساد، حتى وإن كان أهم تلك الملفات.
ويشهد العراق منذ تشرين الأول الماضي حراكاً شعبياً رافضاً للفقر والفساد وسوء الأوضاع المعيشية والتبعية لإيران وسطوة الميليشيات، وهو الحراك الذي قاد إلى إقالة حكومة “عادل عبد المهدي” والمجيء بحكومة “مصطفى الكاظمي”.
إلى جانب ذلك، يذهب “الدليمي” إلى نظرة متفائلة بجدوى عمل الحكومة الحالية، مرجعاً ذلك التفاؤل إلى عدة أمور، أولها الدعم الدولي والأمريكي المقدم للحكومة الحالية، وثانيها حالة الحراك الشعبي المنتفض في الشارع والذي قد يشكل بدوره داعماً للحكومة في مواجهة صقور الفساد من السياسيين.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن تقديم ما يقرب من 204 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للعراقيين ما رفع المساعدات الأميركية إلى أكثر من 706 مليون دولار.