مطار دمشق يُضرَب ويعُطَل، والنظام يؤجل الرد إلى “الوقت المناسب”، والطيران الإسرائيلي يحوم فوق دمشق صباح مساء، ولم يأت “الوقت المناسب”، فالوقت المناسب مناسب دومًا لإحداث حفرة لتكون قبرًا جماعيًا لبشر لم يحملوا سلاحًا.
والبلد بلا معتقل سياسي واحد، فعشرات الآلاف من الناس، موقوفين، مجرد موقوفين ومن بينهم من هو موقوف من عشرات السنين، هذا عدا المغيبين، ورئيس البلد يميز بين “الموقوف” و “المعتقل”، وليس من بيننا يعرف الفارق ما بين موقوف ومعتقل سواه.
والناس يهدهم الجوع، وتفتتح مستشارة الرئيس مطعمًا من الصعب إحصاء نجومه مخصص للوجبات الروسية، الروسية فقط و… بتفاخر.
و”الدولة” مزق دولة”، ملعب للتركي والإيراني، والامريكاني، ويكفي النظام أن “المؤامرة الكونية” لم تسقطه بعد.. فبقائه مجرد بقائه هو النصر.
ورئيس النظام يُطل في حوار مع محطة أهملها الإعلام، ليقول ما أهمله الناس، وما سيهمله مادامت البلد مجرد مقاطعات لـ “ممانعات” لم تمانع سوى من نادى طالبًا اللقمة والرحمة.
الإيرانيون يصولون ويجولون في أسواق دمشق و “مزاراتها”، و”حزب الله” كذلك، وما من أحد يشوش عليهما سوى الطائرات الإسرائيلية، وبشار الأسد يعرف باليقين أنه غير قادر على اقتلاعهما، فبالإضافة لضعفه، هو يعلم بأنه مدين لهم بحياته، بعد أن وضعوا لأجل حمايته وسائلهم وأموالهم في أصعب أيام الحرب في سوريا.
وحتى لو أراد الأسد ذلك ، فمشكوك أن يكون قادراً عليه. فسوريا ضعيفة ومنكسرة ومتعفنة من الداخل، وإيران دقت فيها أوتاداً عميقة.
الروس الذين كان بوسعهم أن يساعدوا الأسد في ذلك (هذا لو أراد ذلك) لا يبدون أي اهتمام بالموضوع، فهم منشغلون بالحرب في أوكرانيا، ولن يصطدموا بالإيرانيين في هذه المسألة التي يرونها هامشية.
ولكن الإسرائيليون، لابد ويعدّون لا لـ “معركة”، بل لحرب واسعة تتجزأ إلى معارك كالمعتاد، والنظام يتفرج، والإيرانيون يسبلون أيديهم ويغفون في الخنادق، بلا حول ولا طول سوى المزيد من توريط حلفائهم سواء في سوريا ام في لبنان.
حرب يخوضها الإسرائيلي في مواجهة سلطة بلا سلاح، فقد استنذت سلاحها في الحرب على الناس.
حرب على سلطة بلا اقتصاد، فقد بات اقتصادها مرهون للعائلة وأصهارها وأنسباؤها من الأولغارشيات.
وحرب، الناس ليسوا معنيين بها، فالوطن وقد بات زنزانة لمواطنيه، لم يعد وطنًا يستحق “النصر أو الشهادة”، فالنصر على من إذا رب البيت محتلاً للبيت، وحارس البيت سارق البيت، ورب العائلة مغتصب للعائلة؟
بلد مهجور سوى من المقيمين قسرًا، ونظام لم يتعلم.. لم يتواضع ولم يراجع التجربة، وحين يطل رئيسه على الإعلام، يطل بغرور “الفاتح”.
ـ فاتح ماذا؟
فاتح مطعمًا للوجبات الروسية، في مدينة اسمها دمشق.
مدينة تعرف تاريخ المطابخ، بدءًا من طبخة الفلافل، وصولاً لطبخات الأمم وقد التهمت ما تبقى منه وفيه.