مرصد مينا – هيئة التحرير
المدارس الموازية للمؤسسات التربوية العمومية والخاصة هي وحدات خارجة عن القانون، مارقة ومتمردة على الدولة، ظاهرها تعليم القرآن، ولكنها تخفي في باطنها وخلف أسوارها برنامج متكامل ومنظم لصنع أجيال متطرّفة وغير معترفة لا بالدولة ولا بالقوانين.
أشبال «العز» أو «معسكرات طيور الجنة»، هكذا يسمى الأطفال الصغار الذين يدرسون في تلك المدارس ويتدربون على القتال ليكونوا وقودا للأزمات. عدة معسكرات انشات للتدريب والقتال الخاصة بالأطفال لكنها تختفي تحت مظلة «مدرسة قرآنية». وعدد كبير من الضحايا الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سبعة و14 سنة يرتادون المدارس القرآنية الموغلة في التطرف، معظمهم ضحايا لعائلاتهم وكثير منهم تم ضربه أو تغريره وحتى شرائه لاستغلاله لاحقا.
أطفال صغار يتم استقطاب عدد كبير منهم من أجل تدريبهم وتكوينهم وتعليمهم القتال والجوسسة وتلقينهم فكر التطرف الذي تسير عليه تلك الجماعات الإرهابية. ويتم تجنيد الأطفال ليكونوا لاحقا قيادات يمكن الوثوق بها. كما تستغل تلك الجماعات المتطرفة الأطفال في حمل المتاع والطهي أو استخدامهم لإنشاء جيل جديد يتغذى على العنف والإرهاب.
استغلالهم كدروع بشرية
وظاهرة استغلال الأطفال من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية بتونس، ليست جديدة إذ سبق أن تم تنزيل عدة مقاطع فيديو تثبت اعتماد هؤلاء على الأطفال وتشريكهم في معاركهم الظالمة ضد رجال الأمن والجيش وغيرهم من المواطنين التونسيين. وقد تم إلقاء القبض على عدد من الأطفال الذين تم توريطهم في قضايا إرهابية عبر مشاركتهم وانتماءهم للجماعات التكفيرية التي تفجر وتقتل وتذبح. وحسب أرقام وزارة الداخلية، فإن الجماعات المتطرفة كانت قد استخدمت حوالي 290 طفلا تونسياً ضمن جهازها الاستخباراتي واللوجيستي والإعلامي فضلاً عن استغلالهم كدروع بشرية أثناء المواجهات مع وحدات الأمن. ووفق تحقيقات وزارة الداخلية واستنطاق عدد من العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها، فإن الجماعات المتطرفة عمدت الى استغلال الأطفال في عمليات رصد الأمنيين والعسكريين والإعلاميين والشخصيات السياسية المستهدفة من خلال تردّدهم على المقرات القضائية والأمنية وبعض المقاهي لتحديد تحركاتهم بكل تفاصيلها اليومية.
مدرسة قرانيه على أرض الدولة
وفضلا عن خروج عدد من المدارس القرآنية عن برنامج وزارة التربية في التدريس وإصرارها على تلقين الأطفال الصغار الفكر التكفيري المتطرف، ومنعهم من الاختلاط وإجبارهم على ارتداء ما يسمونه لباساً شرعياً وإفهامهم أن صوت المرأة عورة! وأن الأمن كافر والجيش طاغوت، وأن الشهادة حصيلتها حورية من أجمل ما خلق الله وغيرها من الأشياء، فإن السؤال الذي يطرح هو: كيف تغض الدولة الطرف على مدارس غير مرخص لها بغض الطرف عن طبيعة نشاطها؟
الإجابة المنطقية والمعقولة عن هذا السؤال، هو أنه يوجد عدد من المسؤولين في الدولة متواطئين ومؤمنين ومباركين للتعدي على القوانين. كما يوجد مسؤولون سماسرة لا تعنيهم الدولة ونظامها بقدر ما تعنيهم الأموال التي يحصلون عليها من أصحاب تلك المدارس ليغضوا عنها الطرف. والأخطر من كل هذا أنهم قد يسندون رخصاً لمؤسسات يعلمون أن نشاطها مشبوه وأنها غير مقيدة ببرنامج وزارة التربية، على غرار ما حصل مع المدرسة التركية “معاريف” وعدد من المدراس الأخرى المؤدلجة. وبعض المسؤولين قد يتجاوزون كل الحدود فيمنحون أرضا تابعة للدولة ومسجلة بمثال التهيئة على أنها منطقة خضراء لأحد المارقين ليستغلها ويشيد عليها مدرسة قرآنية على غرار ما حصل في المروج. إذ منحت بلدية المروج قطعة أرض تابعة لها لجمعية الإغاثة للقرآن الكريم لتبني مدرستها القرآنية خلف جامع الحرمين بكلفة إجمالية قدرها 850 الف دينار حسب ما كتب على معلقة كبيرة فيها مجسم للمدرسة وبيانات عن المشروع والتكلفة والمهندسين وغيرها من المعلومات. والسؤال الآخر الذي يمكن طرحه هنا هو هل أن هناك اختراق صلب بلدية المروج للتفريط في أرض من المفروض أن تكون منطقة خضراء لصالح إحدى الجمعيات؟ أم أن هناك ضغوطات من نافذين في الدولة لإجبار مسؤولي البلدية على منح تلك الأرض لجمعية الإغاثة؟
ولعل الأهم من كل هذا هو أنه حسب مثال التهيئة العمرانية التي حصلنا على نسخة منها، فإن الأرض مسجلة منطقة خضراء، ولكنها اليوم مدرسة قرآنية.
هذه المدرسة، حتى وإن كانت مستجيبة لكل الشروط وفيها كل المقومات، إلا أنها مبنية على أرض دولة، على أرض هي في الأصل منطقة خضراء، فكيف يتم إسنادها دون فتح طلب عروض؟ ثم كيف يفتح حساباً لجمع التبرعات لبناء هذه المدرسة؟
هنا لا بد من مساءلة سلطة الاشراف في الجهة من بلدية ووالي للوقوف على كيفية التفريط في الأرض. ولا بد أيضا من التثبت من فحوى ما يدرس فيها باعتبار أنه وحسب ما عاينا على صفحة المسؤول الأول لهذه المدرسة على الفايسبوك، فإنه كفر عدد من الإعلاميين على غرار حمزة البلومي وسوسن معالج، وناصر بقوة المدرسة القرآنية بالرقاب وناصر المحامي الذي لا يصدر له صوت إلا للدفاع عن الإرهابيين والخارقين للقانون، وهو النائب بمجلس نواب الشعب سيف الدين مخلوف. صفحته على الفايسبوك ملغومة وتحيلنا على ما قد يبثه للأطفال من سموم وأفكار متطرفة.
مدارس مارقة عن القانون
ومدرسة الإغاثة بالمروج ليست وحدها المارقة عن القانون، حيث إنه وفي نفس السياق وجدنا أن عائلات تلاميذ كانت قد تقدمت بشكاوى ضد مدرستين خاصتين إحداهما بالعاصمة متهمين أصحابها بتقديم دروس لأبنائهم لا تتماشى مع منهجية وزارة التربية. وقد تم اتهام صاحب مدرسة بالمنار بفرض دروس دينية على التلاميذ عوض بعض الدروس الاخرى في مواد التاريخ والموسيقى والرياضة.
وتفيد المعطيات أن رجل أعمال معروف وصاحب شركة صناعية في ولاية بن عروس من أبرز الممولين لرياض الأطفال القرآنية، وعدد من المدارس الخاصة انطلق في بعث أول مدرسة قرآنية في 2013 وقد لقيّ رفضا آنذاك من قبل غرفة رياض الأطفال، كما قامت سابقا وزارة المرأة بمنعه من بعث رياض أطفال جديدة. وقد تم في هذا الخصوص اتهام أحد الأحزاب بتمويل عدد من المدارس ورياض الأطفال القرآنية غير الخاضعة لكراس الشروط، بهدف نشر فكر متطرف في هذه المؤسسات التربوية على غرار تدريس كتاب عن «الملا عمر» في مدرسة خاصة بولاية نابل وتم إغلاقها بعد نشر مقطع فيديو لتلميذ يمجد هذا الإرهابي. وفي هذا الإطار أفادنا مسؤول بوزارة التربية، أن الوزارة تدقق دوماً في الشكاوى التي تصلها وتقوم بإرسال لجان تابعة للتفقدية العامة لسلطة الإشراف والتي تدقق في صحة المعلومات، وفي صورة التأكد نهائياً من قيام عدد من المدارس الخاصة بتجاوزات في منهجية التعليم سيتم غلقها.
تجاوزات
وفي السياق ذاته، المتعلق بأدلجة المؤسسات التربوية، ومحاولة إبعادها عن مناهج التعليم الأساسية وجب التطرق إلى ما يحدث من تجاوزات في سياق السعي المتواصل للبعض من الأطراف إلى الهيمنة على الفضاء المدرسي خدمة لغايات لا تمت بصلة للشأن التربوي وللمصلحة الفضلى للمتعلمين. ففي وقت سابق هيمنوا على المساجد وفرضوا سيطرتهم عليهم مما تسبب في إفراز عدد من المتطرفين الحاملين للفكر التكفيري الذين قاموا بعمليات إرهابية وحرضوا على الإرهاب، وعلى السفر إلى سوريا وعلى معاداة الدولة والجيش والأمن. هؤلاء المتشددين هم أنفسهم الذين مروا من مرحلة الاستيلاء على المساجد إلى مرحلة الاستيلاء على المؤسسات التربوية لتخريج جيل متشدد ومتطرف يساهم في نشأة ما يسمونها دولة الخلافة… ولهذا لا بد من التحرك بأقصى سرعة للقطع مع مثل هذه المحاولات الرامية إلى تغيير نمط العيش ونظام الدولة. لا بد من إيقاف محاولات أدلجة المؤسسة التربوية وتسميم أجوائها.
وخلال السنة الفارطة أثيرت مسالة انتداب بعض المتمتعين بالعفو التشريعي العام وإعادتهم إلى المؤسسات التربوية لتدريس التلاميذ… ويطالب تونسيون بتضييق الخناق على عدد من المدرسين الذين لهم ميول وانتماءات تقود إلى شبهة الإرهاب أو التطرف الفكري… وعلى المدارس وخاصة الخاصة التي تحوم حولها شبهات بنشر الفكر المتطرف من ذلك أن مدرسة خاصة افتتحت في حي التضامن أكثر الأحياء تفريخاً للإرهابيين “وهي بناية شاهقة وتبدو مكلفة بالنظر إلى ما تبدو عليه، لكن علمنا أنها تدرس بمقابل زهيد وأن أغلب المدرسين فيها من الملتحين ومن المنقبات… ولا تقتصر مسألة الأدلجة ونشر الفكر التكفيري المتطرّف على المدارس والمعاهد الخاصة، ولا على بعض المدرسين بل أنها طالت رياض الأطفال أيضا في محاولة إلى استقطاب الأطفال وهم يلعبون …حيث تم خلال الفترة الماضية غلق قرابة 100 روضة أطفال قرآنية… بعض الرياض تدرس الأطفال عذاب القبر والجهاد والقتال وإقامة الحد… لقد تم ترهيب هؤلاء الأطفال من طرف بعض المتطرفين، الذين بعثوا رياض أطفال قرآنية بهدف غسل أدمغتهم وإلحاقهم فيما بعد بأشبال “العز” الذين يدربونهم على مبادئ «داعش»!