في تركيا يتعرض اللاجؤون وتحديدًا السوريين بالتمييز العنصري الذي يصل إلى درجة أن لايخلو يوم من خبر مقتل سوري، وسط غض الطرف من السلطات التركية، وفي الجزر اليونانية آلاف من اللاجئين من جنسيات مختلفة مرميون إلى الموت والعزلة والاستغلال الجنسي، ووسط صمت عالمي مطبق، وهاهي بريطانيا “العظمى” اليوم تشتغل على ما يمكن اعتباره فظاعات بحق اللاجئين وآخر ما أفرجت عنه الصحافة الدولية هو التقرير بالغ القسوة الذي نشرته صحيفة “الاندبندنت” وقد حمل وقائع غاية بالقسوة تتصل باللاجئين الروانديين حيث أزمعت السلطات البريطانية على ترحيل مجموعات واسعة منهم قسرًا، وقد كانت شهادات ضباط أمن أفرجت عنها وزارة الداخلية البريطانية قد كشفت أن اللاجئين قاموا بإيذاء أنفسهم وهددوا بالانتحار بعد توسلهم لعدم ترحيلهم إلى رواندا. ومن المشاهد التي نقلتها الصحيفة:
ـ قام رجل بقطع معصميه بعلبة معدنية فيما ضرب آخر رأسه بمقعد الطائرة وهو يقول “لا لا”، في مشاهد يائسة حدثت في 14 حزيران/يونيو.
منظمة ليبرتي لحقوق الإنسان حصلت على الشهادات الصادمة بناء على قانون حرية المعلومات واطلعت الصحيفة عليها. وتتزامن مع المراجعة القضائية الأولى لسياسة رواندا. وقالت الجماعات التي تقدمت بالقضية إن الوثائق تظهر الفظائع التي ستحصل لو استمرت محاولات الترحيل.
ياسمين أحمد، مديرة فرع هيومان رايتس ووتش في بريطانيا قالت في تقرير الاندبندنت إن الكثير من الذين استهدفتهم السياسة “عانوا من رعب لا يمكن تخيله”. وقالت “من غير المفهوم قيام حكومتنا بطردهم إلى بلد معروف بقمعه” و”التقارير عن محاولات إيذاء النفس والقلق الشديد، لا تخدم سوى التأكيد على أن الحكومة سعيدة لكي تتسبب مرة أخرى بالصدمات النفسية والتسبب بالأذى مرة أخرى وهذا ليس أقل من كونه انحرافا أخلاقيا وقانونيا”. وتظهر أوراق الحجز التي ملأها الضباط “بعد حوادث استخدام القوة” كيف بدأ المعتقلون بالصراخ والعويل والاتصال بجنون مع محاميهم وأقاربهم بعد إخبارهم أنه سيتم ترحيلهم إلى رواندا.
من الوقائع التي اظهرها التقرير أنه عندما ذهب الضباط للحديث مع طالب لجوء في غرفته بمركز كولنبروك لترحيل اللاجئين وجدوه قد تسبب بالأذى لنفسه وكان ممددا على سريره. وقالوا إنه كان ينزف بعدما “جرح ذراعه الأيمن مستخدما قطعا من علبة شراب” ولم يتوقف عن جرح نفسه حتى أوقفه الضباط بالقوة. وعالجه ممرض قبل أن يسلمه للمسؤولين عن نقله إلى الطائرة التي كانت تنتظر في قاعدة بوسكومب دون العسكرية في ويلتشاير. وتم وضعه تحت المراقبة المشددة بناء على سياسة منع الانتحار.
فيما قال طالب لجوء آخر للموظفين إنه “سيقتل نفسه” لو أجبر على ركوب الطائرة. وتم ضبطه بحزام وربطه جسديا بمقعد الطائرة. وعندما بدأ يتحرك غاضبا وصارخا “لا لا” قام مسؤول في فريق النقل بالتحكم برأسه كي لا يؤذي نفسه. و”ظل يصرخ” كما جاء في التقرير الرسمي حول استخدام القوة. و”في حوالي الساعة 10.16 تم إعلامنا أن الرحلة ألغيت، وعندها توقف عن الصراخ، وبدا فرحا وعانق كل واحد منا، وكان مشهدا مؤثرا”.
وجاء في التقارير أن رجلا ثالثا “قال لمترجمه إنه لا يريد الذهاب وسقط أرضا على ركبتيه” قبل أن يقاد خارج مركز كولنبروك لترحيل المهاجرين قرب مطار هيثرو. ووصف الموظفون حالته بأنه “متضايق جدا” وأنه بدأ بعد إدخاله الطائرة برطم رأسه بالكرسي أمامه والصراخ. ووصف ضابط احتجاز عملية ضبطه من خلال ضبط رأسه ورسغيه وذراعيه، وعندما بدأ بعضّ لسانه طبقت تقنية التسبب بالألم عبر “الفك الأسفل” لإجباره على فتح فمه وتحرير لسانه. وتقول تعليمات وزارة الداخلية إن تقنية تخفيف الألم هذه لا تستخدم إلا في حالة عدم وجود خيار آخر ويسمح بها عند التعامل مع حادث عنف يشمل على خطر وإيذاء للجسد.
وظل الرجل مقيدا حتى إعلان موعد الرحلة بعد سلسلة من التحديات القانونية من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتم تقييد رجل رابع بحزام خصر واستخدم معه أسلوب التسبب بالألم وهو في شاحنة نقلته إلى المطار عندما أصبح مزعجا بعد مكالمة عاطفية مع شقيقته. وقال ضابط اعتقال إنه “ضغط على الرسغ حتى يضبطه”. وقال مسؤول احتجاز إن الرجل كان يصرخ لأن رسغه كان يؤلمه وقلبه يتحطم. وقام الضابط بنقل الرجل الغاضب إلى الطائرة ويداه مقيدتان.
وتظهر الوثائق أيضا رجلا خامسا “نقل” من مركز الاعتقال بعد رفضه المغادرة وقوله إنه لن يذهب إلى رواندا. وقال ضابط إن المسؤولين حاولوا إقناعه بالمغادرة طوعا و”بدا وكأنه يريد التقيؤ ووضع يديه على معدته ومال للأمام”. وكشف عن التفاصيل المرعبة قبل أيام من أول مراجعة من مراجعتين لسياسة رواندا أمام المحكمة العليا.
ولم يتم وضع لاجئين على طائرات لرواندا وتم الإفراج عن المعتقلين بعد تحذيرات من سجن غير قانوني لطالبي اللجوء. وقالت مؤسسة منظمة “كير فور كاليه” كلير موزلي التي تعد واحدة من منظمات تقدمت بالتحدي القانوني إن الشهادات هي “دليل إضافي عن الضرر الجسدي والعقلي الذي تسببت به سياسة الحكومة الوحشية لنقل اللاجئين إلى رواندا”. وأضافت “في ظل الخيارات الإنسانية المتوفرة، فهل هذه السياسة البربرية هي التي يريدها البلد؟”.
منظمات حقوقية بريطانية تردد “هذا عار على الحكومة البريطانية”، غير أن الحكومات قلما تلتفت إلى العار خصوصًا وقد تعلق الامر بدولة افريقية.
سيكون موضوع اللاجئين عنوانًا لعقد مقبل من الزمن، خصوصًا وسط هذا التمييز العنصري مابين لاجئ ولاجئ، وقد اتضح الامر أيما افتضاح ما بعد الحرب الروسية الاوكرانية فثمة نوعين من اللاجئين:
ـ لاجئ خواجا، ولاجئ لاتفتح له بيوت الله.