من “القلوب المليانة” إلى “المتاريس المليانة”

مرصد مينا

هو “أمر واقع” والأمر الواقع لاينزاح سوى بـ “أمر واقع جديد”، فـ “حزب الله” لن ينزاح عن رقاب اللبنانيين بالتحريض على الاحتراب الأهلي، كما لا ينزاح كما انزاح صدّام حسين من العراق، لينزاح كابوس ويحل كابوس مكانه.

“الكحالة” ومواقع فيها ليس مجرد حادث، هو كما يقول مواطن لبناني “ليس رمّانة ولكنه قلوب مليانة” ودون ادنى شك فقلوب غالبية اللبنانيين باتت “مليانة” من حزب السلاح الذي يجثو بكلكله على بلد قادر على أن لا يجوع إذا ما احتكم إلى دور بحجمه.

 حجم دور لبنان منذ الولادة ربما يتلاءم مع كونه منطقة عبور وسياحة، وربما كازينو و “كبّة نيّة” وهذا لا يقلل من شأنه إذا كان بديله هو دمار الحجر والبشر، اما “المقاومة” إذا لم تكن نتائجها سوى ما آل اليه البلد، وما آل اليه يمكن اختزاله بكلمتين “لن تلحق إسرائيل الخراب بلبنان كما ألحق به حزب الله”، اقلّه وقد تسبب بتفكيك الدولة لحساب الميليشيا، وبعزل البلد عن موارد تنميته، وهو ما يعبر عنه بالحصار الذي وقع فيه، اما الحصار فيبدأ من المقاطعة الواقعية لمنتجاته الزراعية ومن ثم تجميد واحات السياحة في لبنان، والأمرّ من هذا وذاك لابد يتصل بتعطيل الدولة، عبر تعطيل المؤسسة القضائية التي تحاسب الفاسد والسارق، وليس من حزب لبناني إلاّ وشارك فساداً ولصوصية، والبيت السائب يفتح بوابته للّصوص.

حادث “الكحّالة” ينبئ بانسداد فرص العيش المشترك في بلد هو اصغر من ان يقسّم، واكبر من توافق أحزابه وتياراته التي كلما زاد عددها قلّ وزنها وشأنها، غير أنه أوصل البلد إلى الاحتكام للبندقية تحت وابل من الضخّ الإعلامي الذي يحرّض على الاقتتال الطائفي وباللغة الصريحة، ولابد أن الإعلام في هكذا حال قد تحوّل إلى مستثمر في الازمة بدل أن يكون حلاً لأزمة، والأزمة وبكل تجلياتها تبدأ أولاّ من غياب الدولة، فيما حضور الدولة لن يتوفر بحضور سلاح مواز لسلاح الدولة، ومال مواز لمال الدولة، وقرار سياسي يخضع الحرب والسلم لآلة ليست آلة الدولة، وقد بات البلد تحت وطأة ما أحلاهما مرّ:

ـ سلاح حزب الله.

أو الاحتراب لنزع سلاحه.

بقاء السلاح يعني افول الدولة، ومواجهة السلاح بالسلاح تعني فناء الناس قتلاً أو هجرة.

وما الحل؟

بالتعبير الأكثر فجاجة وواقعية، فلبنان هو مستوطنات طوائف، السنّة فيه مغيبون ما بعد غياب الحريرية السياسية أو تغييبها قسراً ما بعد الحصار السعودي على سعد الحريري وتياره، دون بديل للحريرية السياسية في البيئة السنّية، فيما المسيحيون منقسمون ما بين “مواجهة حزب الله” و “مظلة لحزب الله وغطاء سياسي له”، ومادام الحال على هذه الحال فليس من قوّة سياسية/ اجتماعية تواجه حزب الله أو تلوي ذراعه، دون إغفال أن “المجتمعات اللبنانية” بمن فيها “مجتمع الشيعة” يعانون الأمرين من حزب الله، وجولة سريعة في الضاحية الجنوبية ستؤكد وبلا ادنى شكّ بأن حزب الله حوّلها إلى ضاحية للجحيم، فيما طلائع الشيعة من شخصيات دينية وعلمانية تصفّى بالاغتيال من قبل الحزب، ويكفي أن نتذكر شخصيات من وزن مهدي عامل او هاني فحص، دون نسيان حسين مروة ووضاح شرارة وسواهما للقول بأن الحامل الشيعي قد ينكسر تحت ثقل حزب الله وأن قاعدته الشيعية لابد وتتخلى عنه يوم تعثر على حامل وطني يعفيها من “اصبع” حسن نصر الله وغلاظة برلمانييه وأثقلهم ظلاّ “محمد رعد”، وبالنتيجة فالعصيان الشيعي بمواجهة حزب الله ممكن ووارد لحظة يعثر على اسناد حقيقي، سواء من التحرريين العرب أو من المجتمع الدولي، وتلك هي الخطوة الصحيحة والممكنة لمواجهة هذا الحزب دون اللجوء إلى الخيارات التي لا تعني سوى معالجة الجحيم بالجحيم.

حادث الكحالة، وهو مجرد حادث، كاد أن يتحوّل إلى بنادق بمواجهة بنادق، والرؤوس الساخنة اشتغلت على اخذه إلى هذا الخيار، اما الإعلام فلابد واشتغل على إضرام النيران بدل اطفاءها.

ما يمكن قوله هو أن الكوارث الكبرى قد تبدأ بشرارة صغرى.

واضح أن الإعلام اللبناني وبعض الإعلام العربي يشتغل على توليد تلك الشرارة.

الخوف كل الخوف أن تتحول القلوب الملآنة، إلى متاريس ملآنة.

سبق للبنانيين اختبار حقول النار.

ربما يهدؤون اللعب كي لايعيدون اختبار الجحيم ثانية.

Exit mobile version