من “سبابة” حسن نصر الله، إلى “سبابة” سمير جعجع

نبيل الملحم

لا التلويح بالسبابة جديدًا، ولا لغة التهديد جديدة، كل ما حدث من اختلاف هو “التمادي” بـ “السبابة”، حتى وصلت سبابة  حسن نصر الله إلى مخاطبة مجموعة كبيرة من اللبنانيين بـ :

ـ تأدبوا.

الرجل يلوّح بفائض القوة، حتى وصل به الحال الى البوح عن عدد مقاتلي حزبه البالغ مئة الف مقاتل لاينتظرون الأوامر لاطلاق السلاح، وإنما يكتفون بالإشارة.. الإشارة فقط، وقد تكون الإشارة غمزة عين أو رفة جفن.

مئة ألف مقاتل مايعني نصف مليون لبناني إذا اعتبرنا أن متوسط العائلة اللبنانية خمسة أفراد، يعني مايزيد عن ربع اللبنانيين تحت سلاح وأوامر سلاح حزب الله، وإذا كان الأمر كذلك، سيكون السؤال:

ـ كيف سيكون للمحكمة صوتها في ضجيج كل هؤلاء الذين ينتظرون اشارة من حسن نصر الله لإشعال البلد وإعمال السلاح، ومعهما تدمير القضاء، وقد يمتد الدمار الى تدمير الجيش، وبالنتيجة الاستفراد بحكم لبنان، حتى لايتبقى من اللبنانيين من لايرضخ الى “السبابة” إياها باستثناء الهارب واللاجئ و “المنتشر” حسب التعبير اللبناني.

في سوريا لوّح الأسد بكفيه، وفي لبنان رفع حسن نصر الله سبابته، وفي كلا البلدين بات البلد مهجورًا، أو تحوّل الى منطقة للإقامة الجبرية لمن لايستطيع الى الهجرة سبيلاً، وكليهما بشار الأسد وحسن نصر الله يحملان المشروع الأوسع:

ـ الأول جاء من منابع الهتاف للأمة العربية الواحدة وقد اختزلها إلى أمة العائلة والمحاسيب.

ـ والثاني جاء من الهتاف بالأمة الإسلامية والتي اختزلها إلى مفخخة وصاعق.

وكلا البلدين ضاع، ليس بفعل أقدار البلدين بل بفعل ماقدّر لهما بعد ليّ عنق القدر.

سوريا ما قبل البعث والأسد، بل حتى ماقبل عبد الناصر والمكتب الثاني واستخبارات عبد الحميد السراج، كانت بلدًا.. بلدًا بكل مقاييس البلد المتمدن، ولسنا بحاجة لما قاله السنغافوري مهاتير محمد من أنه سيبني بلاده على النموذج السوري، يكفينا مطالعة ارقام عام واحد من عمرها.. إنه 1956 وكانت :

ـ دمشق أنظف مدينة في العالم حسب اليونسكو.

ـ محاصيل سوريا من القمح القاسي  تكفي لإطعام العالم الثالث، وأيضًا هذه معلومات من اليونسكو.

ـ وكان لدمشق وحدها (56) مقهى، وكل مقهى يعني الجريدة والبرلمان.

وكان لها فقهاء قانون، من السنهوري حتى محمد الفاضل، وانتهى محمد الفاضل بطلقة طائشة في ساحة كلية الحقوق بدمشق ، لينتهي معه القانون والمحكمة، وتتحول البلد من القضاء الى قدر الدوشمات الممتدة على كامل بوابات الجامعة  حيث يتمدد رفعت الأسد وسرايا دفاعه ويتحول الاستاذ الى مُخبِر، والطالب الى مختبَر لهراوات زوّار الصباح.

وكان هذا حال بيروت، وقد دخلتها قوات الردع،  لا لتردع الحرب، بل بتوافق عربي أمريكاني على تحويل بيروت الى زقاق من “الدوشما” السورية، ليتعسكر فيها كل شيء سوى العسكر، والعسكرة توأم الفساد، ومظلة الفاسدين، والحصاد تطاله بيروت اليوم، يوم باتت السلاح عدو المحكمة، وهو يرفع سبابته مهددًا، يقابله سلاح مازل يطوي سبابته، وكل التوقعات ستشير إلى أن البلد سيتحول الى سبابة بمواجهة سبابة.

ـ سبابة سمير جعجع بمواجهة سبابة حسن نصر الله.

لا سبابة الأول بريئة من الدم اللبناني، ولا سبابة الثاني بريئة من الدم اللبناني.

كلتاهما مغموستان بالدماء.. كلتاهما جاءا من الدماء واليه يعودا.

كل الايادي خلقت من طين وتلطخت بالطين سوى أيدي هؤلاء خلقت من دماء وتلطخت بالدماء.

وعلى الإنسان أن يتذكر..

نعم عليه أن يتذكر، فالذاكرة أرشيف يعرف كيف يتعرف على طباع “السبابات”.