من كورونا إلى اوكرانيا.. مسكينة اوروبا

بعد كورونا، وما حملته على الاقتصاد العالمي وتحديدًا الاوربي من بلاوي، تأتي أوكرانيا، ولابد أن تكون أوكرانيا أشد وطأة من كورونا، أقله على وسط وشرق أوروبا، حيث ستكون إمدادات الكهرباء معرضة للخطر، فالغاز الطبيعي الروسي، الذي تبلغ نسبته عادةً  40 في المائة من الغاز المستخدَم في أوروبا، يصل عبر عدة خطوط أنابيب، إلا أن اثنين من أهمها يمران عبر أوكرانيا، فكلٌ من ألمانيا وبولندا والمجر تحتاج بنسبة تفوق 50 في المائة من وارداتها  واردات الغاز من روسيا، أما النمسا وفنلندا وليتوانيا فتعتمد عليها بنسبة 100 في المائة.

عمليًا ستكون الحرب في أوكرانيا في جانب منها حرب على هذه الدول، وسيشكل إيقاف تدفق الغاز الروسي سلاحاً سياسياً واضحاً لاختبار صمود النهج الموحد الذي تعتمده أوروبا في مواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا.

في جميع الاحتمالات، ستدّعي موسكو وجود أسباب فنية أكثر أهمية، بدلاً من أي أمر فاضح مثل فسخ العقد، فإذا ما تحقق هذا الأكثر سوءاً، سيكون هناك اضطراب الطاقة وستعمّ الفوضى فعلاً.

ثمة من يعتقد أن  حسابات الطاقة ربما تتجه لصالح الولايات المتحدة، وقد كتب الخبير في مجال الطاقة دانيال يرجين في صحيفة “وول ستريت جورنال” أن صادرات الغاز الطبيعي الأمريكي، على شكل الغاز الطبيعي المسال عالي التبريد، تجاوزت في الواقع الصادرات الروسية إلى أوروبا في كانون الثاني/ينايرالفائت،  ولم يكن ذلك عبارة عن سياسة متعمدة، بل حدث بالأحرى لأن المورّدين الأمريكيين رصدوا فرصة تسعير مناسبة لجني الأرباح.

إن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي هو منتَج للتصدير، فداخل الولايات المتحدة يتدفق الغاز الطبيعي إلى الزبائن عبر خطوط الأنابيب، لكنّ واقع وجود فائض من الغاز الطبيعي، والنفط أيضاً، يعكس إنتاج أنواع الوقود المشابهة من الصخر الزيتي، وعلى غرار عدة أمور أخرى، يثير مصطلح الغاز الصخري بحدّ ذاته هذه الأيام جدلاً سياسياً في أمريكا، لكن التصورات العامة قد تتغيّر بعد أخذ جرعة إدراك لواقع تَحوُّل الحرب الباردة إلى حرب حامية.

حلول أخرى مطروحة على أوروبا ومن بينها الغاز القطري، فقطر التي تُنتج الغاز الطبيعي في الخليج ستحتاج إلى إعادة توجيه بعض شحنات الناقلات التي تحتوي على الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، ولتحقيق ذلك، تريد من واشنطن استخدام نفوذها الدبلوماسي مع الزبائن الاعتياديين الذين سيُطلَب منهم الانتظار لفترة أطول للحصول على الغاز الخاص بهم، ولا بد من تكثيف إنتاج النفط، الذي يشكل مصدراً منفصلاً بل متداخلاً للطاقة، في الدول التي تتمتع بقدرة احتياطية – أي السعودية، وبدرجة أقل الإمارات العربية المتحدة، وسيتعين على هذين البلدين فسخ اتفاقات منظمة “أوبك”، فضلاً عن اتفاقات “أوبك بلس” مع روسيا، لكن مع اقتراب سعر النفط من بلوغ رقم خيالي يلامس الـ 100 دولار للبرميل الواحد، لن تُسمَع أصداء أي شكاوى مقدّمة.

تلك بعض من الحلول المطروحة كما لو انها ستنتشل اوروبا من كارثة انقطاع الغاز الروسي، وكلها مجرد احتمالات في واقع أوروبي عانى الأمرين من كورونا، وما عليه الآن سوى تحمل أعباء أوكرانيا.

Exit mobile version