زاوية مينا
سقط مهرّج ليبيا ولم يسقط التهريج، وشنق صدّام حسين ولم تغيب مشانقه عن الاستثمار في أيدي مسقطيه، وشهدت سوريا مالم تشهده أرض من العنف كل العنف، ومن التلذذ بالعنف كل التلذذ، وسقط مخترع اللذة بالبنادق فيما سقط والده بالموت، ولكل منهما ما لا يستنفذ من اللعنات، دون أن تغيب صور الموت الذي أبدعت ماكيناته بابتكاره حتى تحولت البلاد كل البلاد إلى ماكينة للموت، فوق الأرض وتحت الأرض، وفي الأزقة المفتوحة وفي الأقبية المعتمة.
ومع كل سقوط جلاد، ترتفع الذاكرة وصولاّ لارتفاع منسوب الأحقاد والكراهية وروح الانتقام، وقد حلّت الضحية محل جلادها.
معذور من يطمح للانتقام ممن انتهك عرضة.
معذور من يطمح للانتقام وقد سلب منه رزقه.
معذور من هرست إرادته وحبس صوته.
ومعذور من تشرد حتى باتت العودة إلى الوطن أشدّ استحالة عليه من الصعود سيراً إلى المريخ أو القمر.
معذور من واجه جلاد الأمس وقد بات مبللاً بلعابة وسوائله كما خرقة وسخة.
معذور من استبق “محكمة الدولة” بمحكمته.
كلهم معذورون، وكل الأعذار لن تقدّم ما يكفي من الأدلة على أن البلاد قد خرجت من الزنزانة إلى الحديقة.
ومن آلات هرس الجسد، إلى ماكينات ابتكار النسيج وقد رسمته أصابع ملوّن مبتكر.
كلهم معذورون، وكل الأعذار لن تعني أن البلاد انتقلت من جحيمها إلى نعمة أن يكون لك بلد.
بلد أنت شريك في زقاقه، وشريك بموارده، وشريك بإرادته، وشريك بحلمه، وشريكه بإزالة الأنقاض عنه وإعادة تعمير ما خرّب منه، وفي ترميم ما تبقى.
لك العذر كمُصاب في أن تثأر، فيما ليس ثمة عذر للـ “دولة” في أن لا تستعيد “الدولة”.
ولن تستعيدها إذا ما اشتغلت بدوافع المكلوم.
ولن تستعيدها بدوافع من هُدر دمه.
تستعيدها بـ :
ـ القانون.
قانون المحاكمات العادلة.
بالشراكة الوطنية دون سطوة حزب على أمّة، وقبيلة على قبيلة، وطائفة على طائفة، وفوضى استكمالاً للفوضى.
هي سوريا اليوم..
القطار الذي لم يعثر بعد على سكته. ولن يعثر عليها إذا ما:
ـ شهدت عمليات ابتزاز دولي لمن أسقط الأسد ومن رعاة من أسقطه.
ـ إذا لم يستمد حكمها الجديد شرعيته من شعبه.
ـ إذا ماحلّت الميليشيات محل الدولة.
السوريون أكثر قلقاً.
وهم:
معذورون بقلقهم.