مرصد مينا
بعد اختفائه الطويل، وهو اختفاء في وقت يستلزم الظهور، سيجلس بشار الأسد على مقعد سوريا في قمة العرب التي تستضيفها العربية السعودية، والمتوقع أن لا يكفّ عن الخطابة، بل والخطابة المطوّلة، ليكون “الزعيم العربي” الذي يندّد مرتين:
ـ مرة بالتخاذل العربي في نصرة غزّة.
وثانية للتنديد بالوحشية الإسرائيلية.
وفي الحالين سيتذمر الملوك والرؤساء العرب من خطبته المطوّلة، وعلى الأغلب ستعثر على من يدير ظهره للخطاب الممتلئ بالشروحات وبالتلويح بساعدي الرئيس اللذين لايكفا عن تهوية قاعة الاجتماعات.
سيحكي عن الوحشية الإسرائيلية، وهي وحشية يدركها العالم، كل العالم والفضائيات تبث وقائع حيّة للموت الذي يطال أهل غزّة، أطفالاً ونساء وشيوخاً، مدنيين ومحاربين، سكّان الأنفاق وسكّان الرصيف، ومع المشاهد الدامية ستطالعنا نشرات الأخبار بأعداد ضحايا هذه الحرب الوسخة، لتؤكد استشهاد ما يزيد عن عشرة آلاف متنوعي الأعمار، فيما ستضيف النشرات تلك الرحلة الشاقّة للناجين وقد تحوّلوا إلى ما يشبه الخيام.
سيعيد بشار الأسد على مسامعنا، ومسامع زملائه العرب تلك الوقائع والأرقام، ولن يعثر في القاعة الأنيقة، ولا من بين المراسلين الصحفيين أن يذكّره بـ :
ـ مقتل ما لا يقل عن 470 ألف من السوريين، وهم كذلك نساء وأطفالاً وشيوخاً ومحاربين.
وليس ثمة من سيسأله عن مصير ما يزيد عن 140 معتقلاً من بينهم من لا تلحظه الإحصائيات، ذلك أن عدّادات المعتقلات لا تلحظ الأجنّة في بطون أمهاتهم، وقد فتك الأسد بنساء حوامل، ولن يحتاج الامر إلى المزيد من الشهود.
ربما سيتساءل مراسل ما:
ـ وما هو الفارق بينك سيادة الرئيس، وبنيامين نتنياهو على الضفة الأخرى؟
لابد من فوارق، فالفارق الجوهري لابد وسيكون في نوعية السلاح المستثمر في رحلة الإبادات تلك، ذلك أن “البراميل المتفجرة” رخيصة التكلفة كما لا تتطلب توجيهات تقنية، فهي ليست سوى حاويات معدنية تتراوح زنتها ما بين طن واحد وضعفهما إن احتاج الامر، فيما قدرتها التفجيرية قد اختبرت، ويكفي لاختبار فعاليتها رحلة في سماء سوريا للفرجة على مشاهد المدن المدمّرة، والحواضر المدمّرة، والجحيم وقد طال حقول الناس وصولاً لإبادة حتى حضائر الماعز والأغنام ومبيت الدجاج.
سيطيل الرئيس خطبته، وقد يحلو له ان يخاطب زعامات القمة بـ “أنصاف رجال”، وقد سبق وخاطبهم على هذا النحو دون أن يعيقهم هذا عن مقاطعته ومن ثم استعادته لاحتوائه، وفي الحالين، لم يهتز للرئيس جفن، فقد اكتفى الرجل بالحليف الإيراني، ومن ثم بالروسي، وكليهما لم يقيما له وزناً يزيد عن وزن سعاة “الاوتيل”، الذين يحسنون استضافة الزبون.
سننتظر غداً كلمة السيد الرئيس، وسيحكي باسم حلف المقاومة، فيما تعطّلت دفاعاته الجوية وعلى الدوام عن “التصدي” للطائرات الإسرائيلية وهي تمارس الفسحة في فضاءات دمشق.
سينبئنا السيد الرئيس، أن حلف المقاومة سينتصر كل النصر، وسينبئنا كذلك، أن دماء الفلسطينيين لا تستدعي البكاء، فقد سبق لوالده الراحل أن سجّل في سيرته التنكيل بـ “تل الزعتر”، أما هو، ونعني السيّد الرئيس، فقد كان أشد حرصاً على تراث أبيه:
ـ مخيم اليرموك على كتف دمشق يشهد.
ومازالت “حفرة” الإعدام الميداني تشهد.
حفرة امتلأت بجثث الفلسطينيين مصحوبة بهتاف:
ـ كلنا لفلسطين.