زاوية مينا
مات 14 أسيراً وبتسمية إسرائيلية “مخطوفاً” على الأقل في أسر حماس منذ الصفقة السابقة للتبادل وحتى الآن، ومن بعدهم خرس الكلام عن ما تبقّى لدى حماس ليظهر عنوان إسرائيلي لافت اختارته صحيفة “ها آرتس”، والعنوان هو :
ـ دبلوماسية القط الميت.
هو عنوان ربما لم يصادف أن ظهر في أيّ من الحروب، وبات اليوم برسم بنيامين نتنياهو أو “وسماً لسياساته”، وهو لا يعني فيما يعنيه أكثر من “طمس الجثث” عبر “إعادة جثث مخطوفين من خلال عملية عسكرية هي النتيجة المفضلة للحكومة” وفق تعبير “ها آرتس”.
هذه النتيجة والكلام لـ”ها آرتس”، “لا ترتبط بأي تنازلات، والمخطوفون الأموات لا يمكنهم رواية ما حدث لهم في الأسر، وكيف تخلت الدولة عنهم”. فـ “نتنياهو لايرى مشكلة في تعريض حياة جنود الجيش للخطر، بموافقة من كبار القادة في المنظومة العسكرية من أجل إعادة جثث لدفنها في إسرائيل”.
في المقابل، “يبدو أنه غير مستعد للمخاطرة بوضعه السياسي في صفقة تجبره على إطلاق سراح حشد من السجناء الفلسطينيين والانسحاب بسرعة من معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش في القطاع”.
“ها آرتس” سردت بعض الوقائع ففي الفترة الأخيرة، تسرب من مقربي نتنياهو رسائل متناقضة إلى وسائل الإعلام، رسالة كل بضع ساعات. ثمة نشرات أخبار بدأت بضجة كبيرة حول صفقة في القريب، وقدم لمراسلين سياسيين إحاطات بأن نتنياهو قد وجد طريقة لإبقاء شركائه في الائتلاف واليمين المتطرف رغم نيته التوصل إلى الاتفاق. في المقابل، تسربت تفاصيل حول طلبات مستحيلة قدمتها حماس.
هذه القصة انتهت، كما يبدو، بالأقوال التي نشرت بعد لقاء ظهر قبل يومين، مع “منتدى البطولة” و”منتدى الأمل”، وهما تنظيمان يمينيان لعائلات ثكلى وآباء بعض المخطوفين التي شجعها مكتب رئيس الحكومة منذ اليوم الأول للحرب بهدف التشويش على نشاطات الاحتجاج ضد سياسته.
صمم نتنياهو في هذا اللقاء عندما قال “لن نتنازل عن السيطرة على محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، وعن ممر نتساريم، وسنعود للقتال في كل الحالات بعد 42 يوماً عند انتهاء المرحلة الأولى للصفقة”. ظهرت هذه الأقوال وكأنها عملية تصفية مركزة أخرى متعمدة لجهود دول الوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق. نتنياهو في الحقيقة يلمح لرئيس حماس يحيى السنوار بأنه “خسارة على الوقت، لن تكون هنا صفقة”.
حماس من ناحيتها لم ترد بشكل رسمي حتى الآن على الاقتراح الأمريكي المحدث، ولكنها عارضته بذريعة (ذريعة ليست بدون ثقل) أن الولايات المتحدة أظهرت المرونة لصالح طلبات إسرائيل في المفاوضات. ربما لا يريد السنوار التقدم الآن، حيث فرصة لشن إيران وحزب الله هجوم انتقام ضد إسرائيل، وبذلك يقربون الشرق الأوسط من الحرب الإقليمية، كما أمل عندما خطط لهجومه الإرهابي ضد بلدات الغلاف.
وزير الخارجية الأمريكي، أعطى الخلاصة بالقول إن إسرائيل وافقت على اقتراح الوسطاء الجديد. رئيس الحكومة ربح مرتين؛ فحماس هي التي تفشل الصفقة، وهو معفي من التنازلات بعد تشوش الصفقة.
مصدر رفيع سابق في الإدارة الأمريكية له عشرات سنوات من التجربة في المفاوضات السياسية في الشرق الأوسط، ذكّر في هذا الأسبوع بما تعود جيمس بيكر، وزير الخارجية السابق في فترة ولاية جورج الأب، على تسميته بـ “دبلوماسية القط الأسود”. أحياناً يكون الهدف من المفاوضات، قال بيكر، ليس التوصل إلى اتفاق، بل إزاحة التهمة، القط الميت، إلى سطح بيت الخصم. نتنياهو والسنوار يلعبان هذه اللعبة الآن. يبدو أن نتنياهو يفعل ذلك بنجاح أكبر. الجمهور في إسرائيل، الذي حسب جميع الاستطلاعات في أغلبيته الساحقة يؤيد الصفقة، يذرف الدموع مع عائلات المخطوفين، لكنه في معظمه لا يتجند من أجل إنقاذهم.
تلك هي مادة الحروب، النصر في الإكثار من الضحايا، من البشر الذين يتحوّلون إلى “قطط ميتة”، ومعهم تظهر لغة جديدة، من بين مفرداتها:
ـ دبلوماسية القطط الميتة.
بنيامين نتنياهو رفع من شأنها حتى باتت سياسته، أما عن أهالي تلك القطط، فلا بأس فليرفعوا مواءهم ما شاؤوا.