زاوي مينا
الزلزال السوري حجب أنباء غزة وأزاحها كخبر أول عن الشاشات، غير أن القصف الإسرائيلي وعدّاد الموت لابد ويتسارع، فكلما أغمض الإعلام عينه، فتحت الحرب كل عيونها، وليس ثمة ما تغير سوى ما تحكيه “يديعوت احرونوت” التي تقول بأنه “ربما يمكن البدء بالحديث عن تفاؤل ما بالنسبة للتقدم في المحادثات على صفقة لتحرير مخطوفين”.
كيف؟
وفقها (يديعوت أحرونوت) فمن الصحيح أن هناك فجوات بين حماس وإسرائيل في جملة مسائل، لكنها -حسب تقارير مختلفة- تقلصت، فهذه مصادر في حماس تغمر وسائل الإعلام بتقارير متفائلة نسبياً ربما لتشديد الضغط على إسرائيل للمرونة، مقابل مصادر إسرائيلية تبدو أكثر حذراً.
هذا أولاً، ثم أن زيارات رئيس السي.آي.إيه، وليم بيرنز، إلى المنطقة، وقرب انتهاء ولاية الرئيس بايدن زادت الإحساس في إسرائيل وغزة بأن إسرائيل أقرب إلى الصفقة هذه المرة من أي وقت مضى. لكن الإسرائيليون ليسو في خط نهاية المحادثات. كما أن الضغط العسكري الإسرائيلي على غزة مستمر من أجل تحرير مخطوفين أو ضرب بنية حماس وقادتها.
يديعوت احرونوت ستتابع “لم يبق من بين مسؤولي حماس الذين خططوا وقادوا 7 أكتوبر سوى اثنين فقط على قيد الحياة – محمد السنوار، شقيق يحيى، وكذا عز الدين الحداد قائد لواء غزة في الذراع العسكري.
تلقت بنية حماس التحتية العسكرية ضربة قاسية، غير مسبوقة بكل مقياس. الضرر الذي لحق بحماس هائل – جماهيرياً وسياسياً وعسكرياً. الإنجاز العسكري في القطاع ليس كاملاً بالطبع ما دام المخطوفون هناك”.
تقول يديعوت ذلك بتفاخر، ومن بعدها تذهب إلى جنوب لبنان ورحبها على حزب الله، وبتفاخر كذلك:”الإنجاز العسكري وجد تعبيره بقوة أكبر في لبنان في الأشهر الأخيرة. فقد تلقى حزب الله ضربات قاسية، بخطوات ستعلم ذات يوم في المدارس العسكرية في أرجاء العالم. الجيش الإسرائيلي إياه، بما في ذلك شعبة الاستخبارات التي كان لها نصيب كبير جداً في إخفاق 7 أكتوبر، هو الذي ينبغي له أن يلقى الحظوة على الإنجازات الهائلة في الجبهة اللبنانية.
وهكذا أيضاً “الشاباك”، الذي كان له دور كبير في الفشل الاستخباري في غزة. فقد نجح الجهاز في ترميم بنيته الاستخبارية في القطاع ليضرب مرتكزات حماس، بما في ذلك محمد ضيف، وسلسلة طويلة من كبار المسؤولين”.
يديعوت تسرد الحكاية، فقد تحركت إنجازات “الشاباك” إلى الشمال أيضاً لتحقيق نجاح ذاع صيته في إحباط مسؤولي حماس والجهاد في لبنان، بمن فيهم صالح العاروري. نجاحات جهاز الأمن في الفترة الأخيرة كبيرة بكل مقياس، ويمكن رؤية مؤشرات أخرى عنها الآن في الأعمال المتجددة لأجهزة الأمن الفلسطينية التي عادت لتعمل في المناطق التي كانت بالنسبة لها خارج المجال – مثل مخيم جنين للاجئين (بما في ذلك تصفية مطلوب من الجهاد الإسلامي وكشف وسائل قتالية) وفي طولكرم. في الوقت الذي تفعل فيه حكومة إسرائيل كل شيء ممكن لإضعاف السلطة الفلسطينية، يدرك الجيش و”الشاباك” أهمية سلطة تؤدي مهامها. وتضاف إلى هذا نجاحات الموساد فيما يتعلق بالساحة الشمالية على الأقل”.
بشكل غير مفاجئ، ثمة من ينسب النجاحات العسكرية لشخص واحد فقط –نتنياهو. “الفشل ليس فشله، لكن النجاح نجاحه فقط. نتنياهو ورجاله كالمعتاد يعلمون الإسرائيليين درساً في الزعامة وتحمل المسؤولية: النجاحات ترتبط به، أما باقي الأمور فهذه من مسؤولية رئيس الأركان هرتسي هاليفي أو رئيس “الشاباك” رونين بار، أو بالطبع المستشارة القانونية للحكومة غالي بهرب ميارا”، وما بين ظفرين هو ما كتبته يديعوت أحرونوت بلهجة ساخرة ومزاج تهكمي، لتتابع:
ولو لم يكن هذا محزناً لكان مضحكاً. الشخص نفسه الذي منع وأوقف تصفية قيادة حماس طوال سنين، رغم مناشدات جهاز الأمن، والذي أصر على تحويل 360 مليون دولار سنوياً إلى غزة نقداً، رغم أنه كان واضحاً بأن المال يصل إلى الذراع العسكري لحماس، يدعي الآن عبر وكلائه بأنه غير مسؤول عن إخفاق 7 أكتوبر، لكنه مسؤول عن النجاحات العسكرية والاستخبارية”.
ـ هل ستتوقف الحكاية هنا؟
إن سياسة تعزيز حماس وإضعاف السلطة” نجح فيها نتنياهو إلى أكثر مما كان متوقعاً. لذا نراه يهرب من خيار إقامة لجنة تحقيق رسمية لفحص ملابسات 7 أكتوبر. رئيس الحكومة لم يوجه ولم يأمر بتصفية حماس أو بمنع تعزيز قوتها، كما أنه لم يأمر بالامتناع عن احتواء أعمالها العنيفة على الجدار. بل العكس؛ قاد هذه السياسة. الظاهرة المذهلة المتمثلة بالتهرب من المسؤولية استثنائية على المستوى العالمي أيضاً. رئيس حكومة الذي صُمم في عهده مفهوم الأمن إزاء غزة طوال أكثر من 13 سنة، يدعي بأنه لم يعرف ولم يرَ ولم يسمع شيئاً. في نهاية الأمر، معظم الجمهور في إسرائيل يعرف الحقيقة القاسية: هو الرئيس، هو المسؤول، ومثل ليفي وبار، ينبغي أن يخلي مكانه.