زاوية مينا
بالوسع البداية من “النفي”، لتوصيف الجانب الآخر من كاميلا هاريس، فهي، ليست الإنكليزية الصارمة مارغريت تاتشر، كما ليست التركية القوية تانسو تشيلر، وحتماً لا تنتمي إلى فلسفة ما بعد الأرض أنديرا غاندي، كل ماعرفناه عنها أنها تمسك بيد رجل يصعد سلّم الطائرة بتعثر حتى يكاد يقع على كتفها، لتكون “بيبي سيتر” لرجل تجاوز الثمانين ولم يتبق له سوى أن يضغط على نفسه لاستحضار أية ذاكرة لرجل بدا أنه يضيع ذاكرته.
قد تكون وعما قريب الصبية الأولى التي تحمل لقب “رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية” وقد تكون الصبية السمراء الأولى التي تحتل هذا المقعد، وقد تكون أشرس مواجهة مع رجل لايعوزه المال ولا الصلافة ولا الوقاحة ولا الكذب واسمه دونالد ترامب.
ستكون المواجهة الأكثر إثارة على مدى زمن من أطول أزمان الدول، مواجهة هربت منها هيلاري كلينتون، وتقدمت إليها كاميلا هاريس، وقد تفوز، فإذا ما حدث ما الذي سيكون عليه مصير العالم؟.
إنها الولايات المتحدة، بلد الـ “وول ستريت”، و “البنتاغون”، وال “سي آي إيه” ومراكز الأبحاث التي لا يشق لها غبار، والتي لا يغيّرها فرد ولا يستولي على مقدراتها رئيس، فالسياسات الأمريكية هي السياسات الأمريكية، وحاملات الطائرات الامريكية، هي حاملة الطائرات الأمريكية، والصلافة الأمريكية هي الصلافة الأمريكية، وكل ما يفعله الرئيس هو أن “يعجّل” أو “يؤجّل” دون أن يخلق من العدم، أو “يفني”، فتلك “أمريكا”، أما عناوينها فهي:
ـ لو لم تكن إسرائيل لخلقناها.
ـ أوروبا مساحة للعب وحديقة خلفية، يقتتل فيها الروسي مع الأوكراني، فتدفع أوروبا تكاليف الحرب، وأيّ سيكون المنتصر فسيكون النصر لحساب أمريكا فحيث تلد البقرة فالعجل للأمريكان.
قد تفوز كاميلا وإذا ما فازت لن يتغير أمر في المسار الإسرائيلي/ الفلسطيني، وليس على جمهور الملعب سوى الاصغاء لبنيامين نتنياهو خطيباً في الكونغرس، الكل يصغي اليه والكل يقاطعه بالتصفيق ما بين مقطع من خطاب ومقطع آخر.
وقد لاتفوز، فيفوز خصمها دونالد ترامب، ومع الفوز سيتابع الرجل ابتزاز العالم كل العالم، بذهنية المقاول وقبضة الملاكم وهراوة السفّاح، فهذه أمريكا وهذا نحن، وفي كل الحالات فالمشهد يغرينا:
ـ يغرينا في المشهد أن الرئيس في “بلادهم” لايكون إلاّ بأصوات الجمهور.
ـ يغرينا في المشهد أن الرئيس إن خسر ذاكرته يخسر مقعده.
ـ تغرينا المناظرات التلفزيونية بين مرشح وخصمه، يعري كل منهما الآخر حتى آخر قطعة من ثيابه كما لو كانا قد ولدا توّاً في أدغال التاريخ.
يغرينا أن ما عندهم ليس هو ماعندنا، فـ “عندنا” حتى لو انتهى الرئيس إلى الكرسي المدولب فهو رئيسنا إلى الأبد ولنا في الجزائري “بوتفليقة” مثلاً، ويغرينا أن رئيسهم يسقط باختلاف الأصوات أما رئيسنا فلا يسقطه سوى الخازوق ولنا بالقذافي مثلاً، ويغرينا أن رئيسهم يبدي أفضل ما عنده فيما رئيسنا يعطينا درساً خطابياً بالفضيلة التي لا تعني سواه، وسواه من يقررها حتى ولو أودت فضائله إلى تهجير نصف شعبه والإبقاء على من تبقّى في زنزانته.
يغرينا أن نتفرج على الديمقراطيات كيف ترسم مصائر شعوبها ويغرينا كيف يكون لنا من يوصف بـ “الرئيس إلى الأبد” دون نسيان أن مهمته الأولى كتم أصواتنا أما الثانية فإلغاء ذاكرتنا كما لو أن الزمن يبتدئ به وينتهي إليه.
ـ ونتفرج.
عالم فرجة ونحن:
ـ جمهور الملعب.