
نبيل الملحم
لم يظهر مصطلح “فاشية” في سوريا كما حاله اليوم، ليس لأن “الفاشية” لم تنم بيننا، بل لأنها كما كل “المؤجَل” السوري، كانت على الدوام الوسخ المخفي تحت السجّادة، أو تحت “الجلد”، واليوم ظهر الطفح الجلدي، ليبرهن أنه ما من مصطلح في السياسة يصلح للتداول كما هذا المصطلح، وهو المصطلح الذي يبدأ بكلمة واحدة، مفردة من حروف ثلاثة:
ـ نحن.
فحين تقول “نحن” فلهذا ما يقابلها أي “هم” وبعدها تدخل في ثنائية الفصل:
ـ الداخل والخارج، الانتماء والإقصاء، الهوية والآخر المختلف.
وهذه الثنائية هي التربة الخصبة التي تنمو فيها الفاشية، لأنها تبدأ بتحديد جماعة متخيلة (الأمة، العرق، الدين) ثم تُعرِّف نفسها في مواجهة آخر، وغالبًا ما يكون هذا الآخر غامضًا أو مشوَّه الصورة، لكنه ضروري من أجل تماسك الـ “نحن”.
الفاشية لا تحتاج إلى حجج عقلية معقدة، بل إلى شعور بالانتماء مقابل خوف أو كراهية لـ “هم” الذين يختبؤون وراء الجدار ، ومجرد أن يتكرر خطاب الـ “نحن”، يصبح الناس أسرى لوهم أنهم جماعة متجانسة، بينما يتم تضخيم “الخطر الخارجي” (الآخر المختلف) لإضفاء معنى وشرعية على هذا الـ “نحن”.
من هنا نفهم أن الفاشية ليست مجرد نظام سياسي سلطوي، بل هي طريقة تفكير وانفعال، تبدأ من اللغة، من أبسط ضمير جمعي يتحول إلى جدار بين الذات والآخر.
.”نحن الوطنيون” تعني ضمنًا “هم الخونة”ـ
.”نحن المؤمنون” تعني “هم الكفار”ـ
.”نحن الشعب الحقيقي” تعني “هم الأعداء أو الطفيليات”ـ
الـ “نحن” هذه قد تتحول من مجرد أداة لغوية بريئة إلى أداة فرز وتمييز، ومن ثم إلى أداة قمع وقتل، إذا لم تُقابل بوعي فردي ناقد يذكّر بأن أي “نحن” ليست متجانسة فعلًا، وأن أي “هم” ليس بالضرورة عدوًا.
وهكذا، فإذا كان السوريون يبحثون عن “دولة” او ربما “وطن”، او شاطئ ملتقيات، فأول تظاهرة ينبغي أن تجتاح شوارعهم، مدنهم، أزقتهم، ينبغي أن ترفع شعار:
ـ الشعب يريد إسقاط مفردة “نحن”.
الغاء هذه المفردة من معاجم اللغة كلها، بدءاً من معجم الخليل أبو أحمد الفراهيدي، وصولاً للمعجم الوسط.
هي مفردة قبيحة، تقطر دماً.
تبدأ الفاشية منها وتتناسل بـ “هم”.