مرصد مينا – هيئة التحرير
أربك تكليف المهندسة الجامعية “نجلاء بودن” بتشكيل الحكومة التونسية، باعتبارها أول امرأة تتولّى المنصب في تاريخ تونس، خصوم الرئيس “قيس سعيّد” ليرسم خارطة جديدة للمشهد السياسي بعد أكثر من شهرين من تولي “سعيد” السلطات وإقالة رئيس الوزراء وتعليق أعمال البرلمان.
تعيين الأستاذة الجامعية والخبيرة لدى البنك الدولي “نجلاء بودن” منح المرأة التونسية دوراً جديداً ليرتفع عدد النساء المحيطات في جوار الرئيس سعيد الذي دعم المرأة في تقلد المناصب العليا والمشاركة بالقرار الوطني، اذ كسب جمهوراً جديداً كانت تسيطر عليه مخاوف كبيرة بشأن حقوق المرأة في ظل الحكومة السابقة التي سيطرت عليها حركة النهضة الإسلامية.
رسائل داخلية..
رحبت أوساط سياسية وبرلمانية تونسية بتعيين امرأة على رأس الحكومة الجديدة، اذ عبر الأمين العام المساعد للاتحاد العام للشغل “سمير الشفي” عن ارتياح المنظمة لتكليف نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة، لافتاً إلى أنها “رسالة قوية جداً للمرأة التونسية في أن تتحمل مسؤولية على رأس الدولة”.
بدوره، أكد الأمين العام للتيار الشعبي محمد زهير حمدي “أن تعيين أول امرأة تونسية على رأس الحكومة، خطوة مهمة على درب تحقيق مطالب الشعب في 25 يوليو الماضي وهذا القرار يُعد “ضربة أخرى تلقتها منظومة الأخونة والفساد والإرهاب والعمالة”.
واعتبر الوزير السابق ورئيس الائتلاف الوطني التونسي “ناجي جلول”، أن “تكليف امرأة بتشكيل الحكومة اختيار جيد، ونجاحها في إدارة المرحلة المقبلة هو نجاح لتونس وشعبها”، فيما أكدت مستشارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، سعيدة قراش، أن “هذا التعيين انتصار آخر على الذكورية والعقليات الرجعية بالبلاد، في إشارة إلى حركة النهضة وحلفائها”.
“نجلاء بودن” تعتبر من الشخصيات المستقلة في تونس، و لم يعرف لها أي انتماء سياسي لا قبل ثورة 2011 ولا بعدها، وتتولى حالياً منصب مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتم تكليفها بعد الربيع التونسي في العام 2011، بمنصب مديرة عامة مكلفة بالجودة في الوزارة ذاتها، وسبق لها وشغلت منصب رئيسة وحدة تصرف حسب الأهداف في نفس الوزارة.
وأكدت “راضية الجربي” رئيسة الاتحاد التونسي للمرأة، إن “تعيين امرأة على رأس الحكومة هو خبر سار، ويؤكد التوجه الذي تنتهجه تونس نحو تكريسها للمساواة بين النساء والرجال، ويعكس إيلاء المرأة المكانة التي تستحقها بشكل فعلي عبر تواجدها في مواقع القرار”. موضحة أن “هذا القرار يأتي استجابة لمطالب التونسيات بتمكينهن من الوصول إلى مواقع القرار، وهو ثمرة جهود المنظمات والنساء بعدم إقصاء النساء من الشأن العام والدفاع عن جميع حقوقهن”.
نساء قرطاجة..
وفي الوقت الذي تتقدم “بودن” مشروع سعيد لإنقاذ البلاد من أزمات لرسم خارطة طريق تشكل مرحلة ما بعد التدابير الاستثنائية التي جمدت عمل البرلمان وأقالت رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، عبرت منظمات المجتمع المدني ولا سيما الناشطة في المجال النسوي عن تثمينها للخطوة التي اتخذها قيس سعيد لإعادة الاعتبار لنساء تونس وتقديم رسالة للداخل والخارج على انتهاء مرحلة الرجعية وحضور النساء بالفعل في بناء الجمهورية الجديدة.
وكان قيس سعيد قد عين نادية عكاشة مديرة لديوانه الرئاسي والملقبة بـ “المرأة الحديدية” ولاحقا، أصبحت ذراعه الأيمن وأمينة سره ما جعل المعارضين لسعيد يشوهونها عبر حملات ممنهجة تستهدفها كامرأة وتحاول المساس من كرامتها”.
كما نجحت المرأة الثلاثينية “عكاشة” في أن تتحول إلى مرآة سعيد في توجهاته وأفكاره، وهي التي تشرف على مسار رئيس الدولة وصولا إلى أدق التفاصيل حتى أنها تظهر دائما في اجتماعات المجلس الأعلى للجيوش والذي يفترض أن يحضره الرئيس ووزير الدفاع وجنرالات الجيوش الثلاثة فقط.
واختار “قيس سعيد” تعيين مستشارته الإعلامية “رشيدة النيفر” التي وضعت له خطته الاتصالية، وهي أستاذة بكلية العلوم القانونية والسياسية وصحفية سابقة في جريدة “الصحافة” المحلية، وقد استقالت العام المنصرم من مهامها، بينما لم تحظ زوجة الرئيس القاضية “إشراف شبيل” بلقب السيدة الأولى، حسب اختيار “قيس سعيد” منذ فوزه بالرئاسة، ولم تتدخل في أي مجال من مجالات الحياة العامة، الا أنها تقدم الدعم الكامل لنساء القصر وتتابع تطور الوضع السياسي في تونس.
يذكر أن الرئيس التونسي سبق أن أعلن بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية في 13 أغسطس/آب الماضي، مواصلة الوقوف إلى جانب النساء والدفاع عن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، مخاطبا النساء: “حقوقكن أمانة ولن أتراجع عنها وستبقى رؤوسكن مرفوعة”.
اختيار استراتيجي..
في المقابل، يرى المراقبين أن “سعيد” قد استفز حركة النهضة في ضوء عجز الحكومات السابقة عن تقديم مكاسب ذات قيمة للنساء، وارتباك الإسلاميين في التعاطي مع مسألة التناصف، كما تحدى المجموعات الحزبية الليبرالية واليسارية التي باتت تهاجمه في الفترة الماضية مظهرا أنه أكثر حداثة وتقدمية منهم.
ولفت المحلل السياسي التونسي “نزار الجليدي”، أن “اختيار بودن لرئاسة الحكومة، وهي أستاذة جامعية وتشغل عدة مناصب دولية، يعد بمثابة رسالة إلى التونسيين وأيضاً المجتمع الدولي بعد سنوات حاولت فيها اللوبيات التي تعمل لصالح الخارج تشويه مكتسبات المرأة التونسية وإعادتها إلى عصور الظلام”، موضحاً أن “الرسالة الواضحة من تعيين بودن كأول امرأة للحكومة التونسية هي أن الدولة ستظل تسير على خطى بورقيبة، وأن محاولات السيطرة الظلامية على مفاصل الدولة قد انتهت ونجح التصدي لها”.
كما ترى الباحثة التونسية “رباب علوي” أن “اختيار نجلاء بودن يعتبر اختيارا استراتيجيا لسببين، الأول يتمثل في رمزية التعيين، فلأول مرة تترأس امرأة الحكومة التونسية، أما السبب الثاني يكمن في خلفية نجلاء بودن الخالية من السياسة، فطيلة العشر سنوات الأخيرة سئم التونسيون الساسة والأحزاب السياسية، التي لم تنجح في إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية و الاجتماعية بل تفاقمت البطالة وعم الفقر وانتشر الفساد، ومن خلال تعيين امرأة أكاديمية يسعى الرئيس قيس سعيد إلى امتصاص غضب الشارع التونسي”.
ويأتي تكليف رئيسة للوزراء بعد شهرين من عزل الرئيس للحكومة السابقة وتجميد أنشطة البرلمان، قبل أن يستأثر الرئيس بالسلطة التنفيذية والتشريعية هذا الشهر في خطوة وصفها خصومه بأنها انقلاب، بينما قال الرئيس إنها ضرورية لإنقاذ البلد من الانهيار.
إلى جانب ذلك، دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيسة الحكومة الجديدة “نجلاء بودن” الى العمل بسرعة وإلى تشكيل فريق حكومي متجانس يعمل على مقاومة الفساد كهدف أساسي ويعمل على الاستجابة لحقوق التونسيين و التونسيات من بينها حقوقهم في التعليم و الصحة.