نعم.. نحن من اغتال الكرديات الثلاث

بوضوح بالغ، صرّح اسماعيل حقي بكين، وهو مسؤول سابق في دائرة المخابرات العامة التركية، بأن المخابرات التركية هي التي نفذت عملية اغتيال الناشطات الكرديات في باريس عام 2013، وأنه من غير المستبعد، بل ومن المفروض، أن تنفذ المخابرات عمليات اغتيال جديدة بحق مسؤولين وكوادر في منظومة المجتمع الكردستاني المقيمين في أوروبا.

تصريح اسماعيل حقي بكين، تناقلته الصحف والمواقع التركية، ومن غير الممكن، أن يكون كلام الرجل (مجرد تداعيات)، فقوّة الاستخبارات في قوة أسرارها، وحين تفرج عن الأسرار فلهذا معنى واحد:

ـ أنها تبعث برسائل.

استخبارات دول اوروبية من بينها الاستخبارات الالمانية تعرف وبدقة بأن تصريحات بكين هي جزء من الاستراتيجية الجديدة للحكومة التركية في توسيع أعمال الارهاب والقتل والترويع بحق الشعب الكردي وحركته السياسية في داخل وخارج تركيا، كما تعلم بأن هناك لائحة صادرة عن وزارة الداخلية التركية تتضمن أسماء الساسة والنشطاء والكتاب الكرد المقيمين في أوروبا، والتي تصفهم تركيا بالمطلوبين لها.

الاستخبارات الالمانية لابد وأنها تعلم بوجود دائرة خاصة تسمى (دائرة العمليات الخارجية) ضمن جهاز المخابرات التركية، مهمتها تصفية واغتيال الكتاب والنشطاء والسياسيين المعارضين للسياسة التركية، وبأن هذه الدائرة تعمل بشكل حثيث، وتتلقى الدعم والرعاية من أعلى المستويات في الحكومة التركية.

ومن بين العمليات التي كشف عنها، العملية التي اسفرت في العام 1994 عن مقتل المواطن امداد يلماز في الدنمارك، وكانت التحقيقات يومها وهي تحقيقات قامت بها السلطات الدانماركية قد كشفت عن تورط شخص يدعى صباح كتنه يعمل في القنصلية التركية في عملية الاغتيال.

صباح تكنة إياه، تمت تصفيته  2006 في مدينة كركوك بجنوب كردستان، ويومها كتب الصحفي التركي أمين جولاشان مقال رثاء في صحيفة (حرييت) بعنوان “البطل المجهول”، وهو ما يظهر أهمية هذا الشخص لدى المخابرات ووجود عمليات سرية كان هو من قام بها أو أشرف عليها.

بعيد الكشف عن تورط القنصلية التركية في عملية الاغتيال تلك، عمدت الحكومة الدنماركية إلى إلغاء الاتفاقية التي كانت قد أبرمتها في وقت سابق مع أنقرة حول مكافحة الإرهاب.

الحكومات الأوربية لاشك تتخوف من امتدادات الاستخبارات التركية على أراضيها، وقيام أجهزتها بتصفية المعارضات التركية المقيمة في أوروبا، وثمة أصوات اوروبية ترتفع مطالبة بمواجهة الحكومة التركية، ومن بين هذه الأصوات كان المحامي الفرنسي أنطوني كومت المكلف من عائلات النساء الكرديات الثلاثة، اللواتي اغتلن على يد المخابرات التركية في باريس، ونادى بمتابعة القضية لدى الدوائر القانونية الفرنسية والأوروبية، وقال بان السلطات الألمانية استمرت في التغطية على موضوع اغتيال النساء الثلاث، كما رفضت التعاون واعطاء المعلومات للجهات الفرنسية، والتي بدورها تراخت في متابعة الموضوع، رغم وجود أدلة مثل الأسلحة الفردية والوثائق التي تم تحريزها على هامش قضية الاغيتال تلك.

المحامي الفرنسي كان قد تابع القول بأن تصريحات الجنرال بكين التي اعترف فيها بقيام المخابرات التركية باغتيال النساء الثلاثة، اعتراف رسمي واضح من جانب الدولة التركية بارتكاب اعمال الإرهاب والقتل، ولا يجب ان يمر هكذا بدون محاسبة وملاحقة.

ليس المحامي الفرنسي وحده من رفع الصوت، كان هذا حال المحامي الألماني فرانك جاسنسكي وقد لفت إلى انشطة المخابرات التركية في ألمانيا، مبينا بأن السلطات الألمانية تعلم مدى توغل وانتشار خلايا المخابرات التركية في كل مدن ومناطق ألمانيا، والعناوين التي تختبئ ورائها هذه الخلايا، والاهداف التي تسعى إليها. ولفت جاسنسكي إلى عنصر المخابرات محمد فاتح سايان الذي القت عليه السلطات الألمانية القبض في هامبورغ، وحكمت عليه محكمة ألمانية بالسجن سنة لاشتراكه في اعمال تجسس غير مشروعة، وجمعه معلومات عن الناشط الكردي يوكسل كوج المقيم في ألمانيا، وعن عدد آخر من السياسيين الكرد المقيمين في بلجيكا. وتابع جاسنسكي بأن السلطات الألمانية مطالبة بنشر المعلومات التي بحوزتها حول خطط ونوايا المخابرات التركية في ما يخص النشطاء والساسة والكتاب الكرد المعارضين.

جاسنسكي ندد بالسياسة الألمانية حيال الكرد والقضية الكردية والدعم الذي تقدمه ألمانيا لتركيا في حربها ضد الشعب الكردي، وملاحقتها للنشطاء الكرد، مشيرا إلى اعتقال السلطات الألمانية للعديد من النشطاء الكرد، ووسم الحركة الكردية بالارهاب، وتقديم العديد من الشخصيات الكردية إلى المحاكمة بهذه التهمة، وهو ما تطلبه وتشجع عليه الدولة التركية. بينما المطلوب من الحكومة الألمانية هو التوقف عن المشاركة في سياسة التضييق والملاحقة التركية حيال الكرد، والتحول إلى دور الوسيط المرن، بغية ايجاد حل سياسي وسلمي للقضية الكردية، ورفض سياسة الحرب والعنف التركية حيال الشعب الكردي، ومن ضمنها عمل اجهزة المخابرات، وعمليات الاغتيالات والارهاب التركية ضد الكرد في داخل وخارج تركيا.

مالاشك فيه، بأن السلطات الأمنية الألمانية على دراية كافية بحجم وحضور الاستخبارات التركية في المدن الألمانية، ومما لاشك فيه أيضًا أن الحكومة التركية تعمل على ابتزاز الحكومة الألمانية عبر أمرين معًا، أولهما تلك التهديدات التي تمارسها على الألمان بخصوص اللاجئين السوريين، وتكرار السلطات التركي لشعار:

ـ سنرمي اللاجئين في وجوهكم

والأمر الثاني الحضور الكثيف للجالية التركية في المانيا وهي جالية من أكثر الجاليات تنظيمًا وتغولاً في الحياة الاقتصادية الألمانية، ما يستدعي السلطات الأمنية الألمانية لوضع هذه الجالية بالحسبان.

ابتزازات صريحة تمارسها الحكومة التركية على السلطات الألمانية.

الغرابة، كل الغرابة، بأن يسمع العالم كلامًا لشخصية استخبارية من وزن اسماعيل حقي بكين، وهو يقول:

ـ نعم.. نحن من اغتال.

Exit mobile version