هي ممارسة في الدبلوماسية بعد العجز عن الممارسة في السياسة، فرئيس وزراء لبنان “الطازج” نجيب ميقاتي يصرّح عبر تويتر، أن النفط الإيراني الذي أدخل إلى لبنان هو “انتهاك للسيادة” دون أن ينسى القول بأنه “تم بمعزل عن الحكومة اللبنانية”، وبذلك سيكون الرجل وحكومته متحررا من “تهمة إيران”.
كلام ميقاتي لايغضب حزب الله ويرضي خصومه من دول الخارج، غير أن للنفط إياه حكاية تجاوزت فكرة نجدة لبنان بما هو أحوج اليه ونعني “غالون” المازوت الذي سيدخل المستشفيات ودور الرعاية وبراميل اللبنانيين المقبلين على الشتاء، فمع مرور صهاريج النفط في الأراضي اللبنانية، كان استعراض سلاح حزب الله، وهو استعراض لم يخل من طلقات الـ “آر. بي. جي” بالإضافة لـ “زغردة الرصاص” وهتافات ترفع من عمر وقدر حسن نصر الله، وبشار الأسد دون نسيان “خامنئي” المطلوب من الله إطالة عمره.
في القراءة الأبعد، فالقصة أكبر من برميل نفط، هي قصة من يملك لبنان اليوم، ومن يسيطر عليه، وبلا شك، ودون اللجوء الى حكاية صهاريج النفط، فحزب الله هو المالك الفعلي للبنان، وقد انتقل ما بعد 2006 من حزب لبناني الى قوة اقليمية، قوة في السياسة، والعسكرة، والعقيدة، وهاهو اليوم يدخل من بوابة الاقتصاد، فللحزب حضوره في العراق واليمن كما في سوريا وفي لبنان، وهو حضور متنوع يبدأ بالعقيدة ولا ينتهي عند السلاح، وإنكار مثل ذلك لابد ويكون إغماض العين عن حقيقة لم تعد تتطلب الإنكار، ويبقى السؤال:
ـ ما الذي جعله يستأثر بلبنان، بدءًا من السلاح وصولاً إلى “القرض الحسن”، وقد بات المصرف اللبناني الوحيد الذي لم ينهار؟
بالوسع القول “بفعل الدعم الإقليمي وعنوانه إيران”.
وبالوسع القول “بفعل التنظيم الفولاذي الذي يشتغل عليه حزب الله”.
وبالوسع القول “بفعل العقيدة والاإديولوجيا وقد جعلت من دم الحسن والحسين استثمارًا لحزب الله”.
وكلها أقوال تصح، غير أن الصحيح أكثر هو أن قوة حزب الله، تستمد من تهافت خصومه، ومن تشرذم خصومه، ومن بؤس وحدة خصومه، وأكثر من ذلك بفعل:
ـ فساد خصومه.
ومراجعة لما آلت اليه أحوال 14 آذار لابد وندرك هذه الحقيقة، وكانت 14 آذار ثورة أطاحت بالاحتلال السوري للبنان ومع الاحتلال احتلال “عنجر” للألسنة والقبضات”، غير أن ما أنجزته حركة 14 آذار أطاحت به الخلافات، كما أطاح به فساد الحلفاء، وبالنتيجة:
ـ سمير جعجع بمواجة آل الجميل والكتائب، و”الحريريون” بمواجهة القوات والكتائب، والمجتمع المدني ممزق ما بين ثائر ومرتزق، ووليد جنبلاط ممزق ما بين حلفاء الأمس ووقائع اليوم واللحظة، والكل ممزق باستثناء حزب الله المتحالف مع شقيقه في العقيدة حركة أمل، ومن له مثل هؤلاء الخصوم لابد ويكون له الفوز.
واليوم؟
اليوم، يبدو حزب الله كما لو انه المنقذ للبنانيين المصطفين على (قوارع) الطريق بانتظار بنزين ، مازوت ، كهرباء، والايرانيون جاهزون لاعطاء حليفهم صفة المنقذ، فيما حلفاء خصومه من مثل الفرنسيين والأمريكان، يمعنون في استثناء الحليف من أية قوة يمكنه حملها لمواجهة حزب الله، وهاهي المملكة تتخلى كليًا عن بيت الحريري حتى بات بيتًا من زجاج، فيما الفرنسيون يمنحون كامل الغطاء للجنرال عون وصهره وهو الحليف لحزب الله، أما الأمريكان، فلم يعبرون وعبر سفيرتهم في قريطم سوى عن العجز في مواجهة ارادة حزب الله، وهكذا بات حزب الله يستأثر بإرادة لبنان كما لو كان قدر لبنان.
من له خصوم على شاكلة فؤاد السنيورة لابد ويفوز. تلك حقيقة.
ومن له حليف بحجم وجدية طهران، لابد وينام مطمئنًا لجدية الحليف.
قوى معارضة لحزب الله من الايتام.
ووحده حزب الله يعثر على مرضعته التي لاتكل ولاتمل، وبالنتيجة:
ـ صهاريج نفط مرفقة بالهتافات ، الزغاريد، وصولات وجولات الرصاص وقذائف الـ آر. بي. جي.