مرصد مينا
عواقب اقتصادية وخيمة ستلحق بروسيا إذا غزت أوكرانيا، هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايد، وبحسب نيويورك تايمز، عندما يتعلق الأمر بإلحاق الضرر فهذا يعني نظام سويفت، وفي دوائر العقوبات، يوصف تحرك الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لعزل البنوك في روسيا عن نظام سويفت العالمي للمدفوعات بـ”الخيار النووي”.
ومنذ وقت طويل يُنظر إلى استبعاد روسيا من نظام سويفت، الذي سيعزلها فعليا عن الاقتصاد العالمي، على أنه العقوبة النهائية التي قد تتخذها دول غربية ضد موسكو لردعها عن القيام بمزيد من الإجراءات العسكرية ضد جارتها أوكرانيا.
يشار أن نظام سويفت هو شبكة عالمية تستخدمها كل المؤسسات المالية تقريبا حول العالم لتحويل الأموال فيما بينها وحجر زاوية للنظام الدولي للمدفوعات، ومع ذلك، فإن القيام بتلك الخطوة ليس بالبساطة التي يبدو عليها، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة بسبب حجم روسيا ومكانتها في الاقتصاد العالمي.
يقول آدم سميث، الذي شغل منصب مسؤول العقوبات في وزارة الخزانة بإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بحسب موقع “الحرة”: “الاقتصاد الروسي مختلف. إنه ضعف حجم أي اقتصاد عاقبته الولايات المتحدة على الإطلاق، فيما نقلت نيويورك تايمز عن متحدثة باسم وزارة الخزانة أن إدارة بايدن كانت تقيم “التداعيات” المحتملة من أي عقوبات تفرضها على روسيا، وتدرس طرقا لتقليل أي آثار سلبية غير مقصودة.
وفي هذا السياق التقى الأسبوع الماضي مسؤولو إدارة بايدن مع ممثلين عن البنوك الأميركية لمناقشة المخاطر والآثار المحتملة للعقوبات على روسيا، بما في ذلك التداعيات المحتملة لفصل الكيانات التي تعرضت للعقوبات عن نظام سويفت، فيما قالت صحيفة هاندلسبلات التي تصدر في ألمانيا، نقلا عن مصادر بالحكومة الألمانية، إن الحكومات الغربية لم تعد تدرس استبعاد روسيا من نظام سويفت. وبحسب مصادرها الحكومية، قالت الصحيفة إنه كبديل لذلك يجري دراسة عقوبات اقتصادية تستهدف كبرى البنوك الروسية.
وكان الروبل الروسي صعد عقب نشر التقرير. لكن مصدرا بالحكومة الألمانية على دراية بالأمر قال لرويترز: “لا يمكننا تأكيد ذلك. لم يتقرر شيء حتى الآن”.
لكن قبل ذلك، هل حقا ستغزو روسيا أوكرانيا، يرى “ديفيد بولوك”الذي عمل كمستشار رفيع المستوى في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” بوزارة الخارجية الأميركية في العام 2002، أن هناك أربعة عوامل تقطع طريق روسيا إلى أوكرانيا، العامل الأول مرتبط بأن الولايات المتحدة ومعظم حلفائها يرسلون بحزم الأسلحة إلى أوكرانيا لدعمها عسكرياً في مواجهة التهديدات.
وتسلمت أوكرانيا في الفترة الأخيرة أسلحة “فتاكة” وآلاف الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات من الولايات المتحدة وبريطانيا. فيما تقدم مجموعة دول البلطيق صواريخ مضادة للدبابات وأخرى للطائرات؛ من بينها صواريخ غافلن وستينغر أميركية الصنع.
وكانت السفارة الأميركية في كييف قد أعلنت في 22 يناير الماضي عن تلقي أوكرانيا دفعة أولى من مساعدات أميركية دفاعية (عسكرية) بقيمة 200 مليون دولار، وذلك ضمن الدعم العسكري المقدم إلى أوكرانيا.
أما العامل الثاني الذي ذكره بولوك، بحسب “سكاي نيوز”، فيتعلق بمسألة “تحريك القوات” من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فقبل أيام، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، عن إرسال قوات أميركية إلى أوروبا الشرقية “قريباً”، في خطٍ متوازٍ مع التوترات الراهنة بخصوص مؤشرات الغزو الروسي إلى أوكرانيا، كما يعمل حلف الناتو في الوقت نفسه على تعزيز وجوده العسكري في أورويا الشرقية، بينما ينفي الحلف في الوقت نفسه وجود خطط لإرسال قوات إلى أوكرانيا حال تعرضت للغزو؛ باعتبارها ليست عضواً بالناتو.
ثالث العوامل ضمن محاور السياسة الأميركية التي من شأنها ردع روسيا عن غزو أوكرانيا كما يحددها السياسي الأميركي، هو ما يتعلق بالاستعدادات الخاصة لدى الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا لفرض عقوبات على موسكو.
وتهدد واشنطن والغرب بفرض عقوبات على روسيا إذا ما اجتاحت أوكرانيا. وقال الرئيس بايدن إنه مستعد لفرض عقوبات على نظيره الروسي فلاديمير بوتن شخصياً. كما ألمحت واشنطن وبرلين إلى تعطيل خط أنابيب بحر البلطيق “نورد ستريم 2”. فيما لا يُخفي الجانب الأوروبي مخاوفه من تداعيات أي عقوبات محتملة على إمدادات الغاز من روسيا، باعتبار أن موسكو تؤمن ما يصل إلى 40 بالمئة من الغاز إلى القارة العجوز.
بينما العامل الرابع فيتعلق بـ “رفض المطالب الدبلوماسية لروسيا”. وذلك في إشارة إلى موقف الولايات المتحدة وحلف الناتو من المخاوف التي عبرت عنها موسكو بشأن توسع الحلف على حدودها، وتأكيد الجانبين (واشنطن والناتو) على أحقية كييف في اختيار حلفائها. فيما قدّما عرضاً لإجراء محادثات بشأن بعض المطالب التي عبرت عنها روسيا، من بينها مسألة نشر التحالف صواريخ قريبة من موسكو.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان بمقدور موسكو تحقيق أهدافها عبر سياسة الضغط التي تمارسها على أوروبا -لا سيما فيما يتعلق بملف الغاز- يقول ديفيد بولوك إن موسكو على الأرجح لن تحقق أهدافها المتمثلة في تقسيم حلف الناتو أو إضعافه، ناهيك عن استعادة نفوذ السوفييت القديم.
ويعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن “قد بالغ هذه المرّة”. لكنه في الوقت نفسه يرى أن “شبه جزيرة القرم ضاعت مثلها مثل نزاعات مجمدة أخرى على أطراف روسيا”، على حد تعبيره.
أما في ملف الغاز، وحول البدائل المتاحة أمام الدول الأوروبية حال توقف إمدادات الغاز من روسيا، وما إذا كانت واشنطن قادرة على دعم أوروبا في هذا الاتجاه بالبدائل المناسبة، يشير بولوك، إلى أنه “لا يوجد بديل بسيط لإمدادات الغاز الروسي”.
لكنه في الوقت نفسه يشدد على أن قطعاً روسياً لإمدادات الغاز “غير مرجح”؛ لأن ذلك لن ينتج إلا عن غزو أوكرانيا والعقوبات الشديدة والاستجابة الروسية “وكلها غير مرجحة من وجهة نظري”.