
زاوية مينا
ستحكي “ها آرتس” الحكاية، ولو أن الإعلام العربي يشتغل على إخفائها، أو التقليل من تفاصيلها، مرة بذريعة “ليس بالإمكان أفضل مما كان”، وثانية بالتغافل عن الزمن الجديد الذي يشتغل على تقويض جغرافيات الأمس حتى لو تطلب التقويض إبادة من لم يفلح الأمس بتقويضهم.. من أين تبدأ “ها آرتس؟
تبدأ من تشبيه نتنياهو بمائير كهانا، فـ “كهانا حي ويسمونه نتنياهو”.
ومنه تنتقل إلى الترحيل، “والترحيل حي أيضاً ويسمونه “خطة خروج الفلسطينيين الطوعي من قطاع غزة””.
فما الذي “يجدر بنا” والـ “نا تعود إلى الإسرائيليين؟
يجدر بنا استيعاب أنها سياسة رسمية للحكومة.
وتتابع ها آرتس:
أمس، أعلن وزير دفاع كهانا، إسرائيل كاتس، إقراره إقامة مديرية خاصة لمغادرة سكان قطاع غزة طوعاً. في بيان عن وزارة الدفاع، كتب أن كاتس أخذ قراره في ختام بحث شارك فيه مسؤولون كبار في جهاز الأمن.
وحسب البيان، فإن منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية] عارض خطة أولية في الموضوع أعدت بناء على طلب برغي نتنياهو الصغير. “تتضمن الخطة مساعدة واسعة تتيح لكل مواطن من غزة يرغب بالهجرة طوعاً إلى دولة ثالثة، الحصول على غلاف يتضمن ترتيبات خروج خاصة عبر البحر والجو والبر”، كما كتب في البيان. اقتباسات لم تؤخذ من رواية من نوع التاريخ البديل، بل هذا بيان صادر عن وزارة دفاع دولة اليهود.
فضلاً عن توقع من كاتس بأن أحداً ما سيصدق أنه قرر شيئاً ما، ينبغي أن نرى مضمون الأمور بخطورة كبيرة. فإقامة المديرية هي استمرار مباشر لتعليمات كاتس للجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي إعداد خطة “تتيح لسكان قطاع غزة ممن هم معنيون بذلك، أن يغادروا إلى أي مكان في العالم يوافق على استيعابهم”.
كاتس لا يرى نفسه شخصاً أمر الجيش بالاستعداد لارتكاب جريمة حرب، بل يعتقد بأن خطة ترامب “الجريئة” قد تخلق “إمكانيات واسعة لخروج السكان المعنيين بذلك من غزة، ولتساعد أيضاً السكان في إتمام استيعابهم بالشكل الأفضل في بلدان المقصد. المسفر كاتس.
مرة ثانية تعود ها آرتس إلى الـ “نا”، وقد استخدمت “علينا”، فما الذي على الإسرائيليين؟
علينا التغلب على رؤية هذه الخطة كتصيد آخر من بيت ترامب، فقد قبلها نتنياهو بحماسة. وفي مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، قال نتنياهو إنها “الفكرة الجيدة الأولى التي سمعتها، فكرة استثنائية. يجب فحصها وتنفيذها، فهي ستخلق مستقبلاً آخر للجميع”. وتساذج نتنياهو كعادته فقال: “ما الضير من السماح للغزيين ممن يريدون المغادرة، أن يغادروا؟ يمكنهم الانتقال إلى مكان آخر، ثم يعودون. هناك حاجة لإعادة بناء غزة”. أوسكار شندلر الغزيين حقاً.
عندما يدحرج رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء إسرائيل فكرة، ثم يأمر وزير دفاع إسرائيل الجيش بالاستعداد لتنفيذها، فلن يبقى هذا بمثابة مادة لمسرحية هزلية. هذا يستدعي انتباها جماهيرياً، سياسياً ودولياً في قمة الجدية، واستعداداً لاقتلاع الفكرة وهي في مهدها؛ لأنه بخلاف المعارضة التي لاقت فكرة الترحيل التي روج لها كهانا في حينه، فالجريمة تغلف هذه المرة بورق سوليفان برتقالي من ترامب، وقلب التيار الإسرائيلي الأساس يستقبل الفكرة بحماسة على خلفية 7 أكتوبر.
الهدية المسمومة الملفوفة بورق سوليفان برتقالي على الباب.
الجريمة المؤجلة قد تتحقق.
أقلّه هذا ما تنبئنا به ها آرتس، والمغارقة أنها:
ـ تشجبه.