كلّ الدمار وكل الضحايا لم ينالوا من عقل “الاسد”، نقول “عقل” وبهذا مجازفة كبيرة، فالرجل لم يتعد يومًا وظيفة الآلة، غير أنها الآلة القاتلة، تمامًا كما السلاح، وحين نقول أنها لم تتغيّر، فجلّ مانعنيه أنها لم تدفعه لحظة لمراجعة التجربة، وهي تجربة بالقطع تحمل كمّاً هائلاً من الدماء والضحايا.
منذ خطابه الاول إلى خطابه الأخير لم تتغير جملته ولا لغته ولا إشارات جسده بفارق أفعال الكيمياء وقد نالت من شبابه وحوّلته إلى شيخوخة مبكّرة، فيها كل مستلزمات الشيخوخة ماعدا “الحكمة”.
مجاعات بموازاة الفساد، ترتفع طردًا مع الفساد، حتى أن حياة المحيطين به، ربما تتجاوز “ألف ليلة وليلة”، وهي من منتجات نهب قطاع الدولة وثروات الدولة في مرحلة انتعاش الدولة، وهي منتجات السطو على ارزاق الناس ما بعد إفلاس الدولة، وهاهي سوريا اليوم تشتهي نصف مائدة أو نصف رغيف، او لحظة إنارة منزل في المدينة أو الاطراف.
وتحدث المجزرة وتتلوها المجزرة، وأقله :
ـ لا توضيح.
ـ ولا اعتذار.
مع الدكتاتوريات التاريخية، ثمة دكتاتوريات تشتغل على مراجعة التجربة، بل وعلى تطويرها، بما فيها تجربة القتل، سواه، حتى القتل بالنسبة اليه مازال يشتغل كما ابتدأ، رصاص في الرأس، وإطلاق جلاديه في ميادين البلد وازقتها، وقد بات الشعب السوري اليوم يعاني ثنائية “قاتلة”:
ـ المجاعة والاغتيال معًا.
انطفأت “الثورة”، هذا ظاهريًا، هذا في المرئي من المشهد، غير أن مايخبئه الرماد لن يكون انطفاء، فالجوع كفيل بإطلاق ما اختبأ، وما حدث في “السويدداء”، ليس سوى تفصيل من البازل السوري الواسع، وهو تفصيل لابد ويلحق بيئة النظام، تلك التي اوهمت بأنها من الناجين فيما الخراب يطال ارواح ناسها وحياتهم، ومن يتابع شؤون الساحل السوري، وكان متكأً للنظام يدرك حجم الفجيعة التي تطال هذه البيئة التي مازالت تتفرج على موتها، فيما سيكون سوق الفرجة لبيعهم بمن تبقّى وما تبقّى لهم، والبيع للمقبرة وحدها.
ما بعد أحداث السويداء علت اصوات “ساحلية” تحكي خطاب النظام بل وتتجاوزه في تخوين المتظاهرين، وهي أصوات تمثل الاحتياط الفاسد للنظام، الاحتياطي الذي سياكل نفسه إن لم يجد من ياكله، فيما ناس الساحل يعيشون تحت وطأة عصابات العائلة، وزعران العائلة وشبيحة العائلة حتى أن ساحلاً من مثل ساحل مدينة جبلة، مازال محظور على أن تمشي على رصيفة فتاة، فالاغتصاب مشروع ومعهود ومشغول عليه، أما مواسم الناس فهي عرضة للحرائق والنهب، وثمة من مزارعي التبغ من يصرخ:
ـ لاتحرقوا محصولي.
اشتغلت العائلة منذ الأب الراحل، على توطيد الانقسام السوري، وتطييف المجتمع السوري، وإعادته من “دولة عصرية” كان لها “تروماي” وبرلمان” وأفضل الجامعات، إلى دولة ماقبل القبيلة.. قبيلة لاتحتكم إلى قيم القبيلة التقليدية التي تتقاسم الرغيف، بل قبيلة الناهب والمنهوب، والقاتل والمقتول، وكان ناس الساحل اول ضحايا هذه القبيلة ما بعد تحويلهم إلى “مشاة” للنظام، وحزام ناسف يستثمره النظام، وفوق هذا وذاك إلى بعض من المعدات الحربية التي يموت فيها الناس بتعويض “عنزة” و “ساعة حائط” لاتشتغل في زمن توقف حتى كادت سوريا ان تتحول إلى رماد.
مجازر متنقلة، تهدأ حينًا ثم يعاد خلقها من جديد، وليس ثمة “اعتذار” واحد، أو إيضاح واحد، عدا محطات تلفزيوينة تشتغل على المذيع الأرخص، والضيف الأرخص، والتقنيات الأرخص، والخطاب الارخص.
يوم كانت دكتاتورية هتلر، كان رافقها “غوبلز”، صاحب مأثرة الكذب الخلاّق.
يوم جاء بشار الأسد، كانت الكذبة اللزجة.. الرخوة.. الغبية.. الساذجة والرخيصة.
رجل كاذب لايعرف كيف يكذب.