هيئة التحرير- مرصد مينا
تستمر الجهود الدولية لاستئناف مفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي يقودها المبعوث الدولي “غير بيدرسون” مع أطراف سوريا ممثلة بالنظام والمعارضة والمجتمع المدني، في ظل حديث في الوسط الدولي حول إنهاء أعمال اللجنة قبل الانتخابات الرئاسية المزعم إجراؤها منتصف العام القادم 2021، ومحاولات لمشاركة مهجري سوريا في الخارج بهذه الانتخابات.
أطراف غربية كانت سابقا قد اتهمت النظام بالمماطلة وإفشال اعمال اللجنة، لتجنب هذه الخطوة، وهذا ما ظهر أمس الثلاثاء علنا حين أكد وزير خارجية النظام السوري الجديد “فيصل المقداد” أن الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في منتصف عام 2021 ستجري في موعدها، ولن يكون هناك ربط بينها وبين نجاح عمل اللجنة الدستورية.
“المقداد” قال ردا على سؤال عن إمكانية تأجيل الانتخابات حتى إنهاء أعمال اللجنة الدستورية، “من الواضح جدًا أننا جميعًا سنعمل على أساس الدستور الحالي حتى نضع دستورًا جديدًا، وهذا أمر تعرفه اللجنة الدستورية جيدًا”، مضيفاً أنّ “الانتخابات ستجري بحسب ما ينص عليه الدستور الحالي”.
وهو ما بينه جليا عضو وفد النظام المفاوض في اللجنة بجنيف “أسامة دنورة” في تصريح قال فيه إن “المنطق السياسي والقانوني والدستوري يشير بوضوح أنه لا توجد علاقة إجرائية بين الأمرين، فانتخابات الرئاسة هي استحقاق دستوري هام يجب أن يجري بتوقيته المحدد ما دام الدستور الحالي لعام 2012 نافذا”.
اللجنة من جنيف لأستانة فسوتشي..
جمعية تأسيسية رخصتها الأمم المتحدة، ضمن مساعيها لإيجاد توافق بين نظام الأسد والمعارضة السورية وإنهاء الحرب في سياق ما سمي لاحقا ب”عملية السلام السورية”، من خلال تعديل الدستور الحالي الذي تم تبنيه عام 2012 من قبل النظام، أو اعتماد دستور جديد لأجل سوريا.
يرجع اقتراح إنشاء لجنة لتغيير الدستور السوري إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي تم تبنيه في جنيف ديسمبر 2015، إذ وفر القرار إطارًا لإنشاء مثل هذه اللجنة، لكن تم تأجيل تنفيذها إلى ما بعد محادثات جنيف حول سوريا، وبرزت ملامحه الاولى في محادثات العاصمة الكازخستانية “أستانا” يناير/ كانون الأول 2017، ثم تأخر لاحقًا حتى تم التوصل إلى اتفاق إطاري تقريبي في روسيا “سوتشي” في يناير 2018، بموافقة الضامنين المشاركين في الحرب السورية روسيا وإيران وتركيا.
استمر تأجيل تشكيل اللجنة عدة مرات، حيث اختلف الجانبان بشدة حول تكوينها مع استمرار القتال في الداخل السوري، وتم الاتفاق على تشكيل اللجنة، بعد ان تمكن نظام الأسد من إعادة غالبية أراضي البلاد التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة إلى سيطرته.
تتألف اللجنة الموسعة، من ثلاث مجموعات تمثل المعارضة والمجتمع المدني ونظام الأسد تضم كل منها 50 عضوًا، فيما تتألف الهيئة المصغرة وهي نسخة مختصرة من الهيئة الكبيرة ، تشبه لجنة برلمانية، تضم 15 عضوًا من كل مجموعة من مجموعات الهيئات الكبيرة، وهي التي تجتمع مع المبعوث الدولي.
مماطلات وتعطيل..
اجتمعت اللجنة لأول مرة في 30 أكتوبر 2019، في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، بعد أن اتفقت الدول الثلاث صاحبة اليد في الحرب السورية “تركيا، وروسيا، وإيران” وحتى في اختيار ممثلي اللجنة، على إجراء أولى جلسات اللجنة الدستورية السورية، بعد أن أعدوا كل الإجراءات والآليات الضامنة لمصالحهم، وفق تقارير سابقة.
ثم تلاها اجتماعان ثان وثالث، لم يفضيا إلى تقدم ملموس سوى اتهامات للنظام بالتعطيل والمماطلة، من قبل الغرب والمندوب الأممي “غير بيدرسون”، الذي صرح علنا خلال جلسة لمجلس الأمن أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بأنه لم يستطع عقد الاجتماع الرابع، والذي كان مقررا في ٢٣ أكتوبر/تشرين الأول الفائت، لأن الحكومة لم تقبل أجندة وافقت عليها المعارضة.
واتهمت حينها الولايات المتحدة ودول غربية نظام الاسد بتأخير صياغة دستور جديد قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2021، وعرقلة عمل المبعوث الأممي إلى سوريا “غير بيدرسن”، الذي كان يحاول السير قدما بعمليتي صياغة الدستور والانتقال السياسي، وعقد الجلسة الرابعة في اوغست/ آب الفائت.
بعد جهود وزيارات لدمشق ولقاء مع وزير خارجية نظام الأسد الأسبق المتوفى مؤخرا “وليد المعلم”، استطاع “بيدرسون عقد الجلسة الرابعة في 30 نوفمبر /تشرين الثاني، بعد إعطاء “بيدرسون” وعود للنظام السوري بدعوة المجتمع الدولي لمؤتمر إعادة اللاجئين الذي تم منتصف الشهر الفائت ودعت إليه سوريا برعاية روسيا من أجل انقاذ اقتصاد النظام ورفع العقوبات الدولية عن دمشق، إلا أنه قوطع بشكل كامل من الغرب، الذين يعلنون صراحة في بعض الأحيان “لا إعادة إعمار بوجود الأسد ودون حل سياسي”.
وكان “بيدرسون”، قد استبق الاجتماعات بتصريحاتٍ، استبعد فيه قدرة الأمم المتحدة على وضع جدول زمني لنهاية محادثات اللجنة الدستورية السورية، مبينا أن المحادثات تعاني من انعدام ثقة بين الأطراف السورية المشاركة، لافتاً إلى أنه أجرى عدة زيارات في المنطقة خلال الفترة الماضية، أملاً في إحداث تقدم قبل انطلاق الجولة الرابعة.
كالعادة لم تفض الجلسة لشيئ، وسط أجندة مختلفة من الأطراف المشاركة، فبينما تحدث وفد النظام للمبادئ الوطنية، كسيادة القانون والسيادة والهوية الوطنيتين، والعقد الاجتماعي في الدستور، أصر وفد نظام الأسد على موضوعي عودة اللاجئين، معتبرا أن من أهم الشروط لعودتهم رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام وإعادة الإعمار.
اختتمت الجولة الرابعة أعمالها في 11 ديسمبر/ كانون الاول الجاري في مدينة جنيف دون تحقيق نتائج، سوى الاتفاق على موعد وبرنامج عمل الجولة الخامسة التي تعقد في 25 يناير/ كانون الثاني من العام القادم.
“من المبكر الحديث عن ترشحي للانتخابات الرئاسية المقبل”، هذا ما قاله رئيس النظام بشار الأسد في أكتوبر الماضي، لتكشف مصادر إعلامية عن فحوى رسالة وجهها ” الأسد” إلى الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، حملها وزير خارجيته، “فيصل المقداد” خلال زيارته إلى موسكو قبل أيام ، وكان ملخصها أن قال الأسد للروس: “سأفعل كل شيء لأبقى في السلطة” ومن ضمنها التقارب مع إسرائيل برعاية روسية، وتخفيض التواجد الإيراني في سوريا، مما يخفف من الحرب الباردة التي تدور بين موسكو وطهران على الثروات السورية.