هل بات الشرق الأوسط بوابة بلا باب؟

مرصد مينا

لِمَ لا، فمع سؤال كهذا لابد من سؤال مرفَق:

ـ ماهي الجهة الفاعلة في مسار أحداث هذا الشرق؟ ومن ثم ماهي الجهة القادرة على فرض نظام على هذا الشرق؟

مع خريطة القوى ربما يُجاب عن هذا السؤال، وكانت “لوموند” الفرنسية قد اشتغلت على بعض الإجابة فها هي  الصين وروسيا وإيران يطلقون قبل أيام مناورات بحرية مشتركة في خليج عُمان، بهدف “ضمان الأمن البحري الإقليمي”، أما دافع المناورات فهي  تأتي على خلفية الهجمات التي يُنفذها الحوثيون في البحر الأحمر والتي تثير الذعر في صفوف التجارية العالمية. مناورات القوى الثلاث يمكن أن تُشير إلى أن هذه القوى، والتي تمتلك إحداها وهي الصين قاعدة بحرية في جيبوتي، حريصة على تولي مسؤولية النظام الإقليمي. لكن ذلك ليس حقيقيا، فلا الصين ولا إيران ولا روسيا يمتلكون القدرة على العمل في هذه المياه.

هذا عن الصين / إيران / روسيا، غير أن الولايات المتحدة كانت قد نشرت حاملتي طائرات في المنطقة منذ بداية الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، لكن لم ينجح أحد حتى الآن في ثني الحوثيين عن مواصلة إطلاق صواريخهم، وبالنتيجة ليس للأمريكان القدرة على الفعل في هذه المياه.

وفق لوموند فإن هذين المثالين  يعكسا حالة العالم في عام 2024، فهو “عالم تتكاتف فيه عدة قوى عظمى أو تراقب بعضها البعض أو تتنافس أو تتواجه أو تتعاون اعتماداً على القضية، ولكن حيث لم يعد باستطاعة أحد فرض النظام”.

غريغ كارلستروم وهو صحافي يكتب لـ  “فورين أفيرز” جزءاً آخر من الحكاية مفادها: “انسوا تسميات الأحادية القطبية أو التعددية القطبية. فالشرق الأوسط ليس قطبياً. وليس هناك من يتحكم به”.

كلام اللوموند كما فورين أفيرز عن هذا الفراغ الفلكي سيبدو مستغرباً، أو بعاثاً على الاستغراب، حيث إن الأمريكيين يظلون حاضرين، ولو فقط من خلال الدعم العسكري والمالي الحاسم الذي يقدمونه لإسرائيل. وتشهد حاملات الطائرات، التي لم يتم الحفاظ على سوى واحدة منها في البحر الأحمر، على الدور المُهيمِن الذي كانوا يحظون به.

لنزع هذا الاستغراب ستقول لوموند “لكن هذا الدور لم يعد يغير مجرى الأحداث، إذ تكتفي واشنطن اليوم بلا شك بالحد من التصعيد، وأن بنيامين نتنياهو لا يستطيع شن حربه المدمرة في غزة دون الأسلحة الأمريكية؛ وأصبح البيت الأبيض ينتقد بشكل متزايد الطريقة التي يدير بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأمر، دون أن ينجح في حمله على تغيير الاستراتيجية.

“لوموند” تذكر قراءها بأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تعرض لانتقادات بسبب عبارة “القيادة من الخلف” التي نُسبت إليه في عام 2011 لوصف موقف الولايات المتحدة من التدخل في ليبيا، والذي تم تنفيذه عبر فرنسا والمملكة المتحدة. وكان منتقدوها ينظرون إليها بحق على أنها علامة على تراجع القوة الأمريكية. وقد تأكد هذا الانسحاب من خلال القرار الذي اتخذه أوباما نفسه بعد عامين، بالتخلي عن تطبيق الخط الأحمر في سوريا الذي وضعه هو نفسه، وهو استخدام دمشق للأسلحة الكيميائية. واليوم، لا تقود الولايات المتحدة “من الخلف” بل إنها لا تقود أبداً، والبداية من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس/ آب عام 2021 بمثابة نهاية للسلام الأمريكي.

بالنتيجة، إذا كانت تلك الاستخلاصات جدية، فليس ثمة من يكتب مصير هذا الشرق من القوى العظمى، فهل لهذا الشرق أن يكتب مصيره؟

لم يشهد لا القرن العشرين، ولا الربع الأول من القرن الواحد والعشرين أن كتب أي من شعوب هذا الشرق مصيره.

و… ليس ثمة من يظن ذلك حتى ولو قال بـ “فراغ هذا الشرق من قوى دولية قادرة على تحريك مصيره”.

Exit mobile version