
- البوسنة
بالعودة إلى ما حدث في حرب البوسنة، نجد أنَّ هناك أدلة كثيرة تُشير إلى مشاركة إيران في هذه الحرب بإرسالها قوَّات الحرس الثوري، وحزب الله اللبناني في تلك الحرب. “أحمد جنتي” بتمثيل من “علي خامنئي” كان يُتابع عن كثب النشاط المتعلق بالوجود العسكري الإيراني هناك، و”محمد رضا نقدي” نائب قائد قوَّات الحرس للشؤون الثقافيَّة، و”أحمد وحيدي” وزير الدفاع السابق، و”نادر طالب زاده وسعيد قاسمي” كانوا من بين الشخصيَّات الإيرانيَّة المعروفة التي تعاونت مع “أحمد جنتي” في هذا الموضوع. في شهر يونيو/ حزيران ١٩٩٥ قدَّرت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها عدد قوَّات الحرس الثوري الموجودة في البوسنة بـ ٣ حتى ٤ آلاف عنصر، وكشف “حسن نصر الله” الأمين العام لحزب الله اللبناني لأول مرّة في ٢٥ مايو/ أيار ٢٠١٣ عن وجود عناصر لحزبه في البوسنة، وأنَّ بعضاً من قوَّاته قُتل هناك. ونشرت صحيفة الأخبار اللبنانية تقريراً مفصلاً حول وجود الحرس الثوري في البوسنة في تاريخ ٥ فبراير/ شباط ٢٠١٦، وكتبت أنَّه عندما جرى تفتيش طائرة إيرانيَّة عن غير قصد في مطار “زاغرب” في تاريخ ١١ نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٩٢، وُجد فيها كثير من الأسلحة المعدة لإرسالها إلى البوسنة.
- اليمن
الحكومة اليمنيَّة أوقفت عام ٢٠٠٩ مؤسستين علاجيتين تابعتين للهلال الأحمر الإيراني كانتا ناشطتين في اليمن, واتهمتْ حينها الحكومة اليمنيَّة هاتين المؤسستين بدعم المتمرِّدين الحوثيين. وبعد ست سنوات في شهر أبريل/ نيسان ٢٠١٥ اتهم المسؤولون اليمنيون إيران بإرسال الأسلحة إلى المتمرِّدين الحوثيين تحت غطاء مساعدات الهلال الأحمر، ورفضتْ الحكومة الإيرانيَّة هذه الاتهامات حينها قائلةً: إنَّ “حمولات الهلال الأحمر الإيراني كانت تحتوي على مساعدات دوائية وصحية فقط”.
- غزة ولبنان
في شهر يوليو/ تموز ٢٠١٠، عندما أعلن الهلال الأحمر الإيراني أنَّه يُريد إرسال سفينة سمَّاها بسفينة “أطفال غزة” إلى فلسطين، صرَّح حينها “بنيامين نتنياهو” بأنَّ الهدف من هذا العمل هو إرسال الصواريخ والأسلحة إلى المجموعات الفلسطينيَّة، وأنَّ إسرائيل لن تسمح بهذا الأمر. تقديرات “نتنياهو” لاقت حينها استنكارات دوليَّة عدة، ولكن في شهر ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٠ عندما نشرت وثائق وكيليكس السريَّة، تبيَّن أنَّ إيران كانتْ تُرسل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني خلال حرب تموز/ يوليو عام ١٩٩٨ عن طريق سيَّارات الإسعاف الخاصة بالهلال الأحمر. وجاء في وثيقة أخرى أيضاً بأنَّ طائرة مُحمّلة بالمواد واللوازم الطبيَّة نقلت صواريخ وأسلحة باتجاه لبنان.
- العراق
تحدّثت وثيقة أخرى نُظِّمت في ٢٣ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٠٨ عن أنَّ عملاء قوَّات فيلق الإرهابي دخلت إلى العراق تحت غطاء قوَّات الهلال الأحمر. ووفقاً لهذه الوثيقة التي نُشِرت من قبل المكتب الأمريكي “إيران واتش” الموجود في مدينة دبي الإماراتيَّة، فإنَّ قوَّات فيلق القدس الإرهابي التابع للحرس الثوري الإيراني سعتْ لتأسيس “عيادات” في كلٍّ من مدن “البصرة، وكربلاء، والنجف” بهدف إخفاء الأسلحة فيها. وقدْ جرت الإشارة إلى نقل السلاح نحو لبنان والدول الأخرى في الشرق الأوسط تحت غطاء الهلال الأحمر أيضاً. وفي الوثيقة ذاتها، أُكِّد حديث “سعيد قاسمي” عن حضور الحرس الثوري في البوسنة، وجاء بأنَّ إيران استخدمتْ قوَّات الهلال الأحمر في البوسنة من أجل تنفيذ نشاط استخباريَّ. وقد أشارتْ هذه الوثيقة السريَّة أيضاً إلى التحوّلات الداخليَّة التي جرت في الهلال الأحمر الإيراني، وكتبتْ بأنَّه بعد انتخاب “محمود أحمدي نجاد” رئيساً للجمهوريَّة جرت سلسلة تغييرات أدتْ إلى وضع عناصر من وزارة المخابرات الإيرانيَّة والحرس الثوري في مجلس الإدارة الخاص بالهلال الأحمر، ونُقل ٤٠ من أعضاء وزارة الاستخبارات إلى المكتب المركزي, و ١٠٠ من أعضاء وزارة الاستخبارات إلى مراكز الهلال الأحمر في المحافظات الإيرانيَّة كافة. هذه التطوُّرات التي تعود إلى شهر فبراير/ شباط ٢٠٠٦، بدأتْ باستقالة “أحمد علي نور بلا”, وتعيين “مسعود خاتمي” رئيساً لجمعية الهلال الأحمر الإيراني الذي كان رئيس جامعة العلوم الطبيَّة (بقية الله) التابعة للحرس الثوري، إضافة إلى كونه المسؤول العام عن الصحة في قوَّات الحرس الثوري، ومؤسس منظَّمة تعبئة المجتمع الطبي سابقاً، وإنَّ حضوره في رئاسة الهلال الأحمر الإيراني ما كان إلا من باب فرض السيطرة المطلقة لقوَّات الحرس الثوري على هذه المؤسسة. وفي قسم آخر من الوثائق المُسرَّبة جرت الإشارة إلى موضوع شراء الهلال الأحمر الإيراني ٢٠ طائرةً هيلوكوبتر روسيَّة من نوع أم.آي.١٧، ولكن ١٥ طائرةً من مجموع تلك الطائرات وُضِعت في خدمة الحرس الثوري الإيراني.
- سوريا
في مثال آخر تأكيداً لموضوعنا، في ١٦ مارس/ آذار ٢٠١٢ بعد أن أعلنت إيران أنَّها أرسلت ٤٠ طناً من المساعدات الطبيَّة الخاصة بالهلال الأحمر إلى سوريا عن طريق شركة “ماهان إير”، أعلن المسؤولون الأمريكيون عن احتمال وجود أسلحة داخل تلك المساعدات الطبيَّة. وكتبت في حينها صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها بأنَّ المسؤولين الأمريكيين استطاعوا بالتنصُّت على المكالمات معرفة كيفية إرسال السلاح إلى سوريا بطائرات هذه الشركة التابعة للحرس الثوري. الحديث يطول والإثباتات والبراهين واضحة وجليَّة، فهناك تقارير ووثائق عدة نُشرت في العقد الماضي تتحدث عن العلاقات المستمرّة والمعقدة بين القوَّات العسكريَّة الإيرانيَّة، وجمعيَّة الهلال الأحمر الإيراني. وإضافة إلى بحث الشأن العسكري، فإنَّ هناك تعاملات سريَّة جرت بين القوَّات الاستخباريَّة والدينيَّة للنظام الإيراني مع الهلال الأحمر، فـ”مجيد توكلي” الناشط السياسي المنتقد للحكومة كتب في تغريده له على التويتر عام ٢٠١٤، بأنَّ شخصاً من أصدقائه كان يسعى لإبرام عقد من أجل تأمين احتياجات الهلال الأحمر الإيراني، ولكنَّه عندما كان ذاهباً لعمله، فوجئ بفريقٍ من وزرارة الاستخبارات الإيرانيَّة يدعونه إلى العمل والتعاون معهم، وبعد رفضه المطلق للموضوع، اعتُقل من قبل قوَّات الحرس الثوري. وفي الحقيقة، فإنَّ هذه الامثلة تُظهر بأنَّ جمعية الهلال الأحمر الإيراني ليستْ قوَّة إغاثة وإنقاذ وتُنفّذ النشاط السلميَّ فقط، بلْ هي قوَّة متعدَّدة المهمات، وتنفذ خدمات جليلة في حروب الوكالة والحروب الاستخباريَّة والأمنيَّة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.