fbpx
أخر الأخبار

هل تنتقل إسرائيل من “حرب مابين الحروب”، إلى “أم الحروب”؟

يوم قررت إسرائيل شن هجوم على قوات صدام حسين مطلع الألفية الثانية، كان القرار الأمريكي بمنع إسرائيل من القيام بأي عمل عسكري بمواجهة العراق، داعية إسرائيل إلى :

ـ ترك العمل لنا.

و “لنا” هنا تعني القوات الأمريكية، وقد اجتاحت العراق، وكان من بعدها سقوط نظام صدام حسين، على ماحمله نظام صدام من غرور، وثقة بـ :

ـ مدفعه العملاق.

واليوم، الولايات المتحدة تحاور إيران لتشتغل عبر الحوار على رسم حدود لبرنامج إيران النووي، فيما الإسرائيليون يشككون في قدرة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإدارته الجديدة، على الحيلولة دون ردع إيران، فتعلو أصوات إسرائيلية تدعو إلى عمل عسكري بمواجهة إيران، وربما يكون الصوت الأعلى من بين هذه الأصوات، صوت وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس، وكشف الرجل عبر تصريحات جاءت قبل أيام عن حادثة وقعت عام 2018، اعترضت في أثنائها القوات الإسرائيلية حوامة إيرانية وصلت المجال الجوي الإسرائيلي من قاعدة “تي 4″ في سوريا. واستهدفت المسيرة نقل مواد متفجرة إلى حماس  في الضفة. وكان اعتراض الحوامة الذي هو أيضاً نوع من السلاح الدقيق، فصلاً آخر في الحرب ضد مساعي إيران لتهريب وسائل قتالية متطورة، عبر سوريا لـ”حزب الله” في لبنان، ولجماعات أخرى أيضاً.

وحسب الإعلام الأجنبي، فإن عدد الهجمات ازداد مؤخراً، ولا يمر أسبوع دون تقارير عن مواجهة واحدة أو أكثر في سوريا وفي المجال. معظم الهجمات موجهة ضد شبكات وقوات إيرانية في سوريا وضد محاولات نقل السلاح الدقيق إلى لبنان.

ما يحدث هو حرب ما بين الحروب، وهو مصطلح يعني أقل من حرب مفتوحة وأكثر من هدنة لاثقة فيها، وكانت هذه الحرب انطلقت لفرض”خطوط حمراء”في سوريا وضرب البرنامج النووي في إيران.

إسرائيل أوضحت بأنها لن تسمح لقوات إيرانية ولميليشيات بالعمل وبالتموضع في سوريا، ولن تسمح لسوريا بأن تكون نقطة عبور لسلاح محطم التعادل لـ”حزب الله”. السلاح الدقيق ليس صواريخ فقط، بل حوامات، ومسيرات وصواريخ جوالة أيضاً.

حافظت إسرائيل في البداية على الصمت، ولكنها غيرت “القرص” حسب تعبير يعقوب نغل ويونتان شنزر وكان قد نشر مقالاً لافتًا في “إسرائيل اليوم”، ومن بين ماحمله المقال أنه  ابتداء من 2019 كشفت مصادر سياسية وعسكرية النقاب عن أن آلاف الأهداف دمرت في السنوات الأخيرة.

من المعلومات الواردة في المقال أن إيران تركز على تطوير سلاح دقيق بتعليمات من خامينئي في 2009، انطلاقاً من الفهم بأن هذا سلاح “محطم للتعادل”. وبموجب ذلك، قضى رئيس الأركان بأن هذا هو التهديد الثاني من حيث أهميته، بعد النووي. وأن إسرائيل تفهم بأن الخطتين مرتبطتان، كجزء من خطة إيرانية بعيدة المدى، ويجب وقفهما.

الانعطاف المشوق مؤخراً (وأيضًا هو تعبير لإسرائيل اليوم) ، أن الروس والسوريين لا يشتكون، رغم تواصل الهجمات، وأن نتنياهو وبينيت بذلا جهداً كبيراً لإقناع بوتين بأن المصلحة الروسية تكمن في إخراج إيران من سوريا، كما أن إسرائيل أوضحت للرئيس بوتين  بأنه طالما استمر التهديد وخرقت إيران الخطوط الحمراء، فستستمر الهجمات، ولن يكون في سوريا استقرار، وستكون الاستثمارات الروسية في خطر.

غير هذا ما الذي تفاهم عليه الروس والإسرائيليين؟

ثمة تفهم روسي وتقبل بالرواية أخيراً. فهل سيتخذ بوتين إجراءات فاعلة لإخراج إيران؟ هذه مسألة أخرى، ولكنه يسمح بحرية عمل كاملة، يكون مريحاً لإسرائيل العمل بدونها أيضاً.

الأسد نفسه الذي كان سيفقد السلطة لولا التدخل الإيراني والروسي، انضم مؤخراً إلى الروس وبات يقبل الهجمات بهدوء، هذا مايعتقده الإسرائيليون وما يأخذونه من مصادرهم الروسية، أما الإيرانيون فقد بدأوا يبالغون، وبدأ الأسد يفهم بأنهم يخرقون سيادته ويستخدمون سوريا. ويفهم أيضاً أنه بدون إخراجهم من سوريا فلن يحصل على حضن الأمة العربية مرة أخرى،وربما جاءت الخطوة الإماراتية باتجاه التصالح مع سوريا في هذا الإطار، وهي الخطوة الدبلوماسية التي أعلنت مؤخرًا.

هذا عن سوريا، فماذا عن لبنان  الذي يقف على شفا الانهيار؟

 إذا استمرت التهريبات لـ”حزب الله” ولا سيما إنتاج الصواريخ الدقيقة، أو تحويل القديمة على أراضي لبنان، فلن يكون لإسرائيل مفر غير الهجوم. وقد يتدهور هذا إلى حرب تؤدي إلى دمار وانهيار نهائي للدولة البائسة.

والحال كذلك ماجدوى المباحثات الأمريكية مع إيران وما الذي تريده إسرائيل من هذه المباحثات؟

ما تريده إسرائيل هو اتفاق يعطل قدرة إيران على الوصول إلى النووي، على نحو دائم. أما نهج بايدن فلا يتماثل تماماً مع ما تريده إسرائيل،  فمعالجة الصواريخ الدقيقة ليست جزءاً من المحادثات، وليس مؤكداً أن سيكون هذا سيئاً في هذه المرحلة، من أجل التركيز على النووي. فمعالجة الصواريخ الدقيقة يجب أن تجري بالتوازي وعلى نحو منفرد، في ظل تشديد الحرب ما بين الحروب.

الأمريكيان اليوم يتطلعون  للوصول إلى اتفاق، “أقل مقابل أقل” هو عملياً سير نحو اتفاق “أكثر مقابل أقل”. فرفع العقوبات، وإن كان جزئياً، سيسمح لإيران بترميم اقتصادها ومواصلة دعم الإرهاب، مثل الصواريخ الدقيقة، وبالتوازي يبعث برسالة إلى الأسواق بأن عقد الصفقات مع إيران يعد مجداً. هذا هو السبب وراء الحديث عن “أكثر بكثير”، بما أن إيران –بالتوازي- تتنازل عن “أقل بكثير”.

 إن العقيدة الإيرانية في هذه المفاوضات مبنية على أربع أقدام: للولايات المتحدة قدرات هجومية لكن بايدن ضعيف ولن يفعل هذا؛ وإسرائيل تفهم بأن الولايات المتحدة ضعيفة ولن تهاجم وحدها، إذ ليس لديها القدرات؛ إيران تشعر بأن اقتصادها قد يصمد أمام الضغوط في المستوى الحالي؛ وأخيراً، القيادة لا تشعر بتهديد حقيقي على النظام وعلى حياة رجاله وعلى ممتلكاتهم الشخصية.

طالما لم تقطع الأقدام الأربع، سيسمح الإيرانيون لأنفسهم بالوصول إلى الطاولة مع مطالب سخيفة وبالحد الأقصى، وبالتوازي العمل كما يشاؤون في سوريا والمنطقة. وهم ليسوا مستعدين للتحدث إلا عن تخفيف للعقوبات، وعن ضمانات أمريكية بألا تخرج أي إدارة في المستقبل من الاتفاق، حتى لو تعارض الطلب مع القانون الأمريكي، ويطالبون بغلق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأسئلة المفتوحة. لا توجد موافقة إيرانية على الحديث عما سيفعلونه بالنووي وبالخروقات وبالسلوك الإقليمي.

تفهم واشنطن موقف إسرائيل بالنسبة للصواريخ الدقيقة، ولهذا يتجاهل البيت الأبيض، بصمت، الحرب ما بين الحروب، لكنه يصر على العودة إلى المفاوضات .

لإسرائيل “شيك مفتوح” لمعارضة الصواريخ الدقيقة، وليس لها ذلك بشأن التهديد النووي ولا حتى من خلال قدراتها في السايبر، الأمر الذي لا يعد مقبولاً بالطبع من جانب إسرائيل. سيستمر العمل ضد تهديد الصواريخ الدقيقة بإقرار من واشنطن، وبدعم شبه علني من الروس والسوريين. والأعمال الإسرائيلية تجاه النووي كفيلة بأن تؤدي إلى مواجهة.

كلام كهذا وهو كلام بالغ الخطورة يقول:

إذا كان لإسرائيل شيك مفتوح بشأن صواريخ إيران الدقيقة، فهل يكون لها شيكًا مفتوحًا تجاه السلاح النووي الإيراني؟

هل ستخرج إسرائيل من معادلة “حرب مابين الحروب” إلى حرب كل الحروب، أو “أم الحروب”، حسب تعبير صدام حسين ذات يوم؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى