لداعش وأخواتها ثأر مع الأوابد التاريخية والتماثيل والمواقع الأثرية، ولن يحتاج الأمر إلى كبير عناء.. ببساطة ووفق جمعية حماية الآثار السورية فقد دمرت أكثر من 900 نصب وموقع أثري من بينها معبدي بل وبعلشمين في مدينة تدمر قبل أن يهدم أبراجا وقوس النصر في المدينة، كذلك قام بتخريب تل عجاجة الآشوري وماري ودورا اوروبوس وافاميا وغيرها.
هذا في سوريا، أما في العراق فقد قام التنظيم بإزالة آثار حضارات بلاد الرافدين القديمة، أو عبر بيع القطع الأثرية في السوق السوداء، وقد جرف التنظيم موقع نمرود الأثري بالقرب من الموصل، كذلك هاجم التنظيم مدينة حترا التي تعود الى الحقبة الرومانية وعمرها أكثر من ألفي سنة في محافظة نينوى .
سيتعدى الأمر المنطقة العربية ليصل إلى افريقيا.. إلى “مالي” وقد تعرض ما يزيد عن 14 ضريحا للهدم أو النهب في تمبكتو الواقعة في شمال غرب مالي وتوصف تمبكتو بانها “مدينة ال333 وليا”، أما في ليبيا فقد انتهك التنظيم حرمة ضريح الشعاب الدهماني في طرابلس. وتعرض للتدمير ايضا ضريح الشيخ عبد السلام الاسمر الفقيه الصوفي من القرن السادس عشر في زليتن التي تبعد 160 كيلومترا شرق العاصمة، وتعرضت مكتبة وجامعة تحملان الاسم نفسه لأعمال تخريب ونهب، وليس ثمة ضرورة للحديث عما آلت اليه آثار وأوابد أفغانستان، ولكن السؤال:
ـ ما الذي يجعل التنظيم يرعى ضريح سليمان شاه، جد عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية، على ضفة نهر الفرات قرب مدينة منبج في ريف حلب، الواقع تحت السيادة التركية، ويسهر على حمايته جنود أتراك ويرفع فيه علم تركي؟
أواخر الشهر الماضي، كتب الصحافي التركي متهان دمير (مدير جريدة «حرييت» السابق في أنقرة) أنّ «الجنود (الأتراك) المحاصرين داخل الضريح، وفّر لهم تنظيم داعش الماء والغذاء»، عندما تأخّر تسليم الإمدادات من تركيا.
إذاً لا يعتبر الخوف التركي الرسمي من أي ردّة فعل ميدانية لتنظيم «داعش» حقيقياً، إذ سبق لأنقرة إيصال إمدادات لجنودها في الضريح مع تبديلهم. حينها، وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نقلت عن «القيادي الميداني المعارض» في ريف حلب، منذر سلال، أنّ «تنسيق الحكومة التركية مع تنظيم الدولة الإسلامية ليس جديداً»، مؤكداً أنّه «قبل ثلاثة أشهر أمّن (داعش) دخول قوة تركيا لتبديل عناصر حماية الضريح (سليمان شاه)، مشترطاً آنذاك على الجانب التركي الحصول على بعض الأسلحة وإنزال العلم التركي المرفوع عن الضريح، حينها، أكد المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» ريدور خليل أنّ «تنظيم داعش تسلّم حماية الرتل التركي بعد عبوره من المناطق الكردية». وكان «مركز حلب الإعلامي» قد أكّد أنّ عناصر من «داعش» رافقوا رتلاً للجيش التركي قرب الضريح سليمان شاه في ريف منبج، خلال عودته إلى تركيا، مشيراً إلى أن “عناصره رافقوا الرتل من أجل تأمين حمايته، الأمر الذي دعا البعض إلى الاعتقاد بأن التنظيم سيطر على الرتل”.
لا .. واقع الحال أن التنظيم لم يسيطر على الرتل، بل رافقه، فـ (الرفاق) يرعون بعضهم بعضًا، وحين كان الكلام يتردد عن رعاية تركيا للتنظيم، لم يكن الكلام محض كلام أو افتراءات، فتركيا هي الممر، والفندق، وصحن البقلاوة الذي كان دائمًا في أفواه التنظيم، واليوم:
ـ ما الذي سيكون عليه الحال فيما لو دخلت تركيا على خط تسوية سورية ـ سورية، هل سيكون لداعش مكانها على طاولة المفاوضات؟
لن ننتظر أن يكون المفاوضون كل المفاوضين في القاعة، ثمة من يكون خارج القاعة وكرسيه محفوظ.
ـ لم نسمع صوتًا لداعش حتى اللحظة في الأحاديث الدائرة حول تسوية سياسية في سوريا.
و… لن نسمع صوتها.
الصوت التركي يفي بالغرض، وهاهو سليمان شاه قد بات بالنسبة للتنظيم:”رضي الله عنه”.
لم كثرة الكلام؟