ليس بعيدًا أن يستفيق العالم على حرب مدوّة في الشرق الأوسط تنسيه ما سبق أن شهده من حروب، والمتتبع للشأن الإسرائيلي قد يدرك مدى جدية مثل هذا الاحتمال.
ليس هذا ضرب في الغيب، بل هو الاحتمال الذي توقعه معهد السياسة والاستراتيجية الاسرائيلي، وعبر فريق من باحثي المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس غلعاد.
في قراءة واسعة كان المعهد قد نشرها على موقعه الالكتروني لفت فريق البحث إلى أن إسرائيل تتمتع باستقرار أمني واقتصادي، وبتحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، وتقيم تعاوناً استراتيجياً مع الدول السنية في إطار اتفاقات إبراهيم، وتحتفظ بتفوق عسكري واضح على خصومها الإقليميين، غير أن كل ذلك لايلغي أن الاستراتيجية الإيرانية العامة الساعية باستمرار وبقوة في السنتين الأخيرتين لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال استخدام القوة، إلى جانب تطوير قدراتها التكنولوجية في النووي، سيكون سببًا كافيًا لإطلاق شرارة الحرب في المنطقة، وهذا ما يدفع فريق البحث المشار اليه لمطالبة إسرائيل بوضع استراتيجية شاملة لصد إيران في المنطقة، تمنعها من الوصول إلى قدرة حافة نووية، في ظل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودول المنطقة.
جولة المحادثات الجارية في فيينا، التي بدأت في 27 كانون الأول، تقترب من مرحلة الحسم، ولم يبق سوى القليل من الوقت، بضعة أسابيع في أقصى الأحوال، لاتخاذ قرار بالعودة إلى الاتفاق النووي، وذلك لأن إيران تقترب من النقطة التي تتمكن فيها من إنتاج ما يكفي من المادة المخصبة للانطلاق إلى سلاح نووي. فما هي الخيارات الأخرى في حالة فشل المفاوضات.
إيران ، فتتخذ استراتيجية تسويف في إدارة المفاوضات في فيينا، وتطالب بإلغاء نظام العقوبات إلى ما يتجاوز ما وصف في الاتفاق الأصلي، لمنع تفعيل متكرر للعقوبات ضدها في المستقبل، لتخزين أجهزة الطرد المركزي المتطورة وعدم تفكيكها وغيرها. هدف إيران هو العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي بشروطها، في ظل استخدام رغبة أمريكية للعودة إلى الاتفاق لغرض تثبيت أثمان اقتصادية، والإبقاء على التقدم التكنولوجي المتحقق في النووي حتى الآن.
وبالتوازي، تستخدم إيران روافع على الولايات المتحدة من خلال إطلاق الصواريخ والمسيرات الانتحارية للقوات الفرعية والميليشيات الشيعية ضد أهداف أمريكية في سوريا والعراق. وفي الحدث الأخطر حتى الآن لسلسلة الأحداث الهجومية في الذكرى السنوية لتصفية قاسم سليماني (3 كانون الثاني)، أطلقت أربعة صواريخ نحو السفارة الأمريكية في بغداد “المنطقة الخضراء”. ومع أن النار لم تلحق الإصابة بالأرواح، ولكنها جسدت جسارة متزايدة لإيران في استخدام القوة ضد الولايات المتحدة. وأدى الهجوم إلى تحذير خطير لإيران من جانب البنتاغون بأنه في حالة استمرار الهجمات، فثمة رد من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يبدو الردع الأمريكي في الشرق الأوسط قد ضعف، وغياب الرد النابع من رغبة الولايات المتحدة في التقدم في محادثات النووي والامتناع عن الانجرار إلى معركة مباشرة ضد إيران إنما يشجع القوى الفرعية الإيرانية لممارسة مزيد من أعمال القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. في هذا الإطار، تصاعدت المعركة في اليمن في الأسابيع الأخيرة عقب إطلاق الصواريخ الباليستية من جانب الحوثيين نحو الأراضي السعودية (25 كانون الأول)، واختطاف سفينة الإمارات في البحر الأحمر (3 كانون الثاني)، وهجمة المسيرات في المطار الدولي والمنطقة الصناعية في أبوظبي (17 كانون الثاني).
غياب الرد العسكري من جانب الولايات المتحدة وحلفائها على استخدام إيران للقوة في سوريا والعراق واليمن يؤدي بالمعسكر السني إلى خوض حوار مباشر مع إيران، ما يعني أن السياسة الأمريكية تجبر المعسكر السني على إجراء تعديلات وتغييرات في سياسته الإقليمية حول إيران، في ضوء التقدير بأن السند الأمريكي غير مصداق.
وبالتوازي، فإن تفاهماً أمريكياً – روسياً في مسألة النووي الإيراني حرج في القدرة على بلورة تفاهمات دولية في محادثات النووي في فينا، بل والتقدم لاحقاً إلى الاتفاق. كما أن بث ضعف أمريكي في الأزمة الأوكرانية سيؤثر على مكانة واستقرار الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى قوة الردع التي لديها. وسيكون لهذا معان سواء في جانب إعادة انتشار المعسكر السني المؤيد لأمريكا في المنطقة، وزيادة التأثير الروسي والصيني في الشرق الأوسط واستعداد إيران والمحور الراديكالي لأخذ مخاطر في بناء القوة والاحتكاك مع إسرائيل.
على ضفة ثالثة، تحاول حماس تثبيت معادلة عمل جديدة تجاه إسرائيل بعد حملة “حارس الأسوار”؛ فمن جهة، تهدد بخطوط حمراء لخرق التهدئة (القدس، السجناء، والآن الاضطرابات التي في النقب)، بل وتصمم رواية شاملة ضد إسرائيل (يخدم قيادتها “في اليوم التالي”)، وبالمقابل تدفع بتسوية في غزة تثبت حكمها.
وفي عودة إلى فيينا.. كيف يمكن قراءة الاحتمالات؟
ـ إن أي توقيع متجدد للاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران سيبقي القدرات والمعلومات التكنولوجية المتطورة في أيدي طهران.
ـ لاحقاً، سيؤدي تجديد الاتفاق النووي إلى سباق تسلح تقليدي لعموم دول المنطقة بوسائل قتالية غربية، روسية وصينية متطورة. على إسرائيل أن تبلور سياسة إقليمية متوازنة تعمق في إطارها التعاون الأمني العسكري مع دول الخليج ومصر والأردن، لصد النفوذ والتآمر الإقليمي الإيراني، إلى جانب الحفاظ على تفوق نوعي للجيش الإسرائيلي.
ـ سيكون على السياسة الإسرائيلية أن تناور بين المصالح المتضاربة، وتخلق مجال مرونة يسمح بالتقدم في التعاون الإقليمي في ظل الحفاظ على القوى التكنولوجية والبشرية. أما تآكل التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال تسلل تكنولوجيات متطورة ورأسمال بشري وأساليب تفعيل خاصة، فستعرض أمن إسرائيل للخطر في المدى البعيد، رغم المزايا التي ينطوي عليها الأمر في المدى القصير في مواجهة مع إيران.
بالنسبة للإسرائيليين فإن التسليم بهذه الاحتملات ماذا يعني؟
يعني خرابها، وتراجعها من موقع القوة إلى موقع الضعف، فما العقيدة الإيرانية وكذلك السياسات الإيرانية تمضي قدمًا في احتلال المنطقة والهيمنة عليها، لتكون هذه النتيجة أشد هولاً من احتمالات أي حرب يمكن أن تقع.
ـ هل ستبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي وسط التراجعات الأمريكية في المنطقة، وقد بات “جو بايدن”، مجرد “رجل ثلج” في الأيدي الإيرانية.
غالبًا لن تقبل إسرائيل بذلك وبالنتيجة ستكون الحرب هي الخطوة الاستباقية لتفكيك الأنياب الإيرانية التي تشتغل على:
ـ قضم المنطقة.