مرصد مينا
هل تنقسم روسيا إلى فاغنر بمواجهة الجيش الرسمي الروسي، تماماً كا انقسمت السودان ما بين قوات الدعم والجيش السوداني، ليتحوّل المشتغل عن مشغله؟
ـ لِمّ لا وقد ظهر يفغيني بريغوجين، ممول مجموعة فاغنر الخاصة، في شريط فيديو مخيف وخلفه عشرات الجثث قائلا إنهم ضحايا يوم واحد من الحرب في مدينة باخموت، واصفا وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين بالحثالة والكلاب.
ماقاله يفغيني بريغوجين قد يذهب نحو هذا الاتجاه، وإن لم تصل الامور إلى هذا الحد فأقله أن إعلان ممول “فاغنر” وراعيها
يعبّر الأخير، ميدانيا، عن حالة إحباط من إمكانية نجاحه بإنجاز عسكريّ كبير كانت موسكو تأمل حصوله قبل استعراض “يوم النصر” الذي يقام في “الميدان الأحمر” في 9 أيار/مايو من كل سنة، للتذكير بانتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية عام 1945، وهو أمر يعوّل عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لربط ذلك الحدث، سياسيا، بالهجوم الجاري في أوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022.
الهوّة باتت واسعة ما بين ب«طباخ بوتين» وقادة الجيش، وخصوصا وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس أركانه فاليري غيراسيموف، وهو ما يمكن اعتباره انعكاسا لتصدّع في الجبهة العسكرية الروسية.
تأتي الواقعة الأخيرة بعد حادثة هجوم مسيّرتين على الكرملين، مقرّ إقامة بوتين في موسكو، وهو أمر علّق بريغوجين عليه أيضا بالسخرية من بعض القادة السياسيين الروس ووصفهم بالمهرجين بعد تهديدهم باستخدام السلاح النووي للرد على هجوم المسيّرة.
تصريحات وأفعال بريغوجين مهمّة بما تعكسه من خلافات عسكرية وسياسية، لكن تحليلاته للوقائع غير دقيقة بالتأكيد، فأسباب نقص الذخيرة لا تتعلّق فقط بقادة الجيش، بل بأحوال المنظومة العسكرية ككل، والتي لا تنفع معها قرارات استبدال القادة العسكريين (كما حصل مؤخرا بتعيين قائد جديد للإمدادات) كما يتعلّق بتراجع إمكانيات البلاد في تعويض فقدان الذخائر والأسلحة. تعاني المنظومة من إشكاليات تاريخية، مرتبطة بطبيعة النظام السياسي نفسه.
يضاف إلى ذلك أن فاغنر تستخدم تكتيكات وحشية، وهي لا تستهين فيها فقط بأرواح الأوكرانيين، الذين تقوم بإعدامهم بدل أسرهم، بل كذلك بأرواح مجنديها، الذين يرسلون للمعارك بدون تلقي تدريبات رسمية كافية، وفي حين يطيب لبريغوجين تشبيه مجموعته بمفرمة اللحم، فإن ما يحصل عمليا، هو أن هذه المفرمة تلتهم أصحابها أيضا، بالسهولة التي تلتهم فيها الآخرين، وهو ما يفسّر الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها في الأرواح، والتي يتحمّل مسؤوليتها بريغوجين وجنرالاته.
الأهم أن “حدث الطباخ” يتزامن مع اقتراب الجيش الأوكراني من إطلاق هجوم كبير مضاد على القوات الروسية، ويمكن اعتبار حوادث الهجوم العديدة التي استخدمت فيها مسيّرات، أشكالا من الاستعداد لذلك الهجوم، والذي جهّزت فيه كييف، حسب نائب رئيس وزرائها، قرابة عشرة آلاف طائرة من دون طيار، وهو ما جعل أجهزة المخابرات العسكرية الغربية تترقّب إمكانيات استخدام كبير لمجمل جهاز الطيران الحربي الروسي في الحرب الدائرة، وهو ما يمكن أن يدمّر الكثير من أنظمة الدفاع الجوي الأوكراني، مثل إس 300، وبوك.
بعد هذا سيكون السؤل:
هل ستتغير موازين القوى على الجبهات؟
ومن ثم:
ـ ماذا لو باع الطبّاخ طبخته إلى عدوّه وباتت قوّات فاغنر بمواجهة الجيش الروسي، دون نسيان أن الاموال قد تتدفق على الرجل بما لايسمح له بالتردد في بيع من وصفه بـ”الحثالة والكلاب”.