fbpx
أخر الأخبار

هل سيفعلها دونالد ترامب ويقلّم مخالب القط الإيراني؟

سارع الرئيس جو بايدن إلى تشكيل فريق عمله، ويظهر أنه فريق عمل موسّع يضمن نخبة من الاستشاريين، ومن بين المداميك الثلاثة التي أرساها، وهي المداميك الأساسية لأية إدارة أمريكية كانت:

انطوني بلينكن في وزارة الخارجية، وجيك سوليفان للأمن القومي، وليندا توماس سفيرة لبلادها في الامم المتحدة.

الفارق في قيادات بايدن كان اسم السفير السابق دينيس روس، صاحب الخبرة الكبيرة في الشرق الاوسط والذي قال: «لديك ثلاثة مسؤولين للسياسة الخارجية يعرفون جيداً ماذا سيفعلون. لديهم خبرة كبيرة في العمل معاً، وهذا التلاقي يتمتع بكفاية عالية واحتراف رفيع»، على حد تعبيره.

الواضح انّ تحدياً بين اثنين كبيرين ينتظر هذا الثلاثي: الصين وايران.

 بالنسبة للشرق الأوسط فالأهم والأولوية تأتي للملف الإيراني،  وبداية، فإنّ جيك سوليفان كان له دور اساسي في المفاوضات التي ادّت الى توقيع الاتفاق النووي مع ايران عام 2015. ففي العام 2013 شكّل الرئيس السابق باراك اوباما وفداً أجرى مفاوضات سرية مع ايران تمهيداً للاتفاق النووي. الوفد الاميركي تشكّل يومها من وليام بيرنز، والذي كان نائب وزير الخارجية، وبونيت تالوار عضو مجلس الامن القومي في البيت الابيض ومستشار اوباما للملف الايراني، وجيك سوليفان مستشار الامن القومي لنائب الرئيس جو بايدن يومها.

واجتمع الوفد الاميركي مع الوفد الايراني سراً لخمس مرات على الاقل في سلطنة عمان، التي احترمت الطلب الايراني بعدم تصوير هذه الاجتماعات بتاتاً. وهذه الاجتماعات ادّت للتمهيد لولادة الاتفاق النووي عام 2015، وشارك بعدها سوليفان في اللقاءات الثنائية الاميركية ـ الايرانية المعلنة في جنيف.

الواضح من المتوقع انّ السياسة الخارجية الاميركية ستعود الى الاسلوب التقليدي اي الارتكاز على علاقات دولية قوية، وهذا ما يريح اوروبا. ذلك انّ بلينكن يؤمن بتعددية القرار العالمي، ولكن تحت القيادة الاميركية، وهذه السياسة كان ينبذها ترامب ويعمل على نسفها من اساسها.

بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، فالعارفون بـ “بلينكن” يصفونه بـ  “البراغماتي والواقعي” وبأنه “يعي جيداً حدود القوة”. وهو كما سواه يعرف انّ الشرق الاوسط تغيّر كثيراً خلال السنوات الاربع الاخيرة، وهو لن يعود ابداً كما كان. وبالتالي فإنّ العودة الى المسار السابق يجب ان لا يهمل المستجدات، وهو بالتحديد ما سيأخذه في الاعتبار الفريق الذي سيتولّى السياسة الخارجية خلال ولاية بايدن، وتحديداً في الملف الايراني، فهو سيأخذ كمنصة انطلاق الإضافات التي حققها دونالد ترامب خلال السنوات الماضية، وبالتالي لن تكون، بالنسبة الى هذا الفريق، عودة تلقائية او اوتوماتيكية الى الملف النووي السابق.

في المقابل، فإنّ ايران التي تستعد لهذه المرحلة، ستطلب بدورها تعديلات انطلاقاً من مستجدات السنوات الاربع الاخيرة.

بايدن يدرك تمام الادراك صعوبة التفاوض مع إيران، مع أنه يدرك بالمقابل الانهاك الذي أصاب ايران جراء العقوبات الاقتصادية التي وقعت عليها، كما يعرف أن طهران تتوق لرفع القيود والعقوبات عنها، الّا انّ ذلك لن يعوق الديبلوماسية الايرانية من سلوك درب متعرّج، خصوصا وأنّها تشعر بأنّها لا تزال تمتلك اوراق قوة خصوصاً في اليمن والخليج، وفي العراق وسوريا ولبنان.

المتابعون للسياسات الإيرانية يتوقعون أن تتجّه طهران الى ابراز نقاط الضعف الاميركية كمقدمة للتفاوض. مثلاً ستنتظر حتى حزيران المقبل حين ستحصل الانتخابات الرئاسية الايرانية، وستعمد الى ابراز الضعف والتراجع الكبيرين للتيار الاصلاحي الذي كان سنداً قوياً للاتفاق النووي عام 2015، وحيث تشير الترجيحات الى فوز مدوٍ سيحصل لمصلحة محمد باقر قاليباف المتشدّد، والذي شغل موقع نائب قائد الباسيج، وبعدها قائد القوات الجوية لحرس الثورة. اي انّه احد اقرب مساعدي قاسم سليماني، والرسالة هنا واضحة:

ـ نريد ثمناً لاغتيال سليماني.

كذلك ستطلب طهران ضمانات جدّية لعدم الانسحاب من الاتفاق مرة جديدة، خصوصاً مع احتمال عودة ترامب عام 2024.

واستتباعاً، يتوقع الايرانيون نزاعاً حيال الملف السوري، وربما اللبناني.

 هذا سيعني فيما يعنيه أن المفاوضات الأمريكية ـ الايرانية ستتأخر وستطول، وبأن ايران فيما لو وقعت المفاوضات فإنها ستتمسك بإطار دول «الخمس زائداً واحداً»، اي بدور اكثر فعالية لأوروبا. وفي هذه النقطة قد تتقاطع طهران مع اسلوب بلينكن، الذي يؤمن بالتعاون مع الاوروبيين والاستعانة بهم في الشرق الاوسط.

ويُنقل عن بلينكن قوله، إنّه «لا يمكننا معالجة مشكلات العالم بمفردنا، فعلينا ان نعمل مع الدول الاخرى وان نتصرف بتواضع ولكن بثقة».

بلينكن ووفق العارفين بشخصه سيعمل وبالتوازي مع فتح قنوات التفاوض مع ايران، على ايجاد الحلول لليمن وتخفيف الضغوط على الخليج. واسلوب بلينكن يشي ايضاً بإعطاء دعم واضح لدور فرنسي خصوصاً في لبنان، وهو ما يعني اعطاء دفع اميركي قوي لمبادرة الرئيس الفرنسي في لبنان.

لكن ايران تعمل في نهاية الامر لأن تلغي شروطها الشروط الاميركية لتعديل الاتفاق، اي الوصول لاحقاً لإعادة اقرار الاتفاق كما هو. لكن واشنطن ستكون مصممة على انتاج افكار جديدة حيال الصواريخ الايرانية البالستية وتنظيم خريطة النفوذ في المنطقة. لكن من الآن وحتى 20 كانون الثاني موعد تسلّم بايدن السلطة، فإنّ طهران تدرك انّ خطر ترامب لم ينته بعد، وأنّه يسعى الى نصب الأفخاخ امام خلفه، وأنّ رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يؤازره.

كثيرون رغبوا في أن يخطو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخلال مما تبقى من ولايته الرئاسية، خطوة عسكرية باتجاه إيران، وهو لو فعل ذلك لغير مسارات مستقبل المفاوضات الأمريكية الإيرانية، غير أن بات مستبعد الحدوث،  وكانت قد تسربت معلومات متقاطعة إلى أن الحكومة الايرانية أوعزت لحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، بعدم منح ترامب اعذاراً تسمح له بتنفيذ ضربات قبل رحيله، وبالتالي عدم الانجرار الى ردود فعل عسكرية او امنية حيال اي استفزاز، وهذا ما يفسّر الغارات الجوية في سوريا.

من هذه المعلومات ماتسرب من لبنان، ومما تسرب أن قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني حمل هذه الرؤية الى الحلفاء الذين زارهم في لبنان وسوريا والعراق، ذلك انّ هنالك سعياً من جانب اسرائيل لتسخين الوضع مع ايران، لاستدراجها الى ردّ يستهدف مصالح اميركية، وبالتالي رفع سقف المواجهة والزام بايدن بالعودة من مسافة بعيدة.

أما في الخليج، فالوضع مختلف، وهو ما يسمح لإيران بإبراز مخالبها منذ الآن، وهذا ما يفسّر استهداف الحوثيين الاخير لمنشآت النفط. ولو انّه يجعل الطريق اقصر بين السعودية واسرائيل، ووفق ما نقلت صحيفة «اسرائيل هيوم»، فإنّ ولي العهد السعودي أبلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ، إنّ الرياض معنية بتشكيل جبهة موحّدة مع اسرائيل في كل ما يتعلق بإيران.

ماسبق، يقود إلى استخلاص مفاده أن اية حرب في المنطقة ستكون مستبعدة فيما تبقى من وقت ولاية الرئيس دونالد ترامب، فالوقت في الثلاجة، ولكن هل وضعت ايران أظافرها في الثلاجة؟

كثيرون تأملوا بتحطيم مخالب القط الايراني.

يبدو أن الامر بات مؤجلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى