ما الذي جعل تركيا تزيح ايران من مشهد “إلاّ رسول الله” مع ما استتبع المشهد من انذارات توشك أن تطلق حرب زواريب عالمية؟
هو سؤال يستحق البحث عن إجابة.
في سبتمبر من عام 1988 صدرت رواية آيات شيطانية للكاتب الهندي الذي يحمل الجنسية البريطانية سلمان رشدي، وفي فبراير 1989 صدرت فتوى من الامام الخميني بإهدار دم الكاتب، ليواكب الفتوى الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب.
كان ذلك في عزّ تألق نجم الإمام الخميني ، إذ بهذه الفتوى أملى الخميني على الجميع قراءة الرواية من قبل جمهور قراء واسع من بينهم المتشددين الدينيين، لتخرج الرواية بذلك من حيّزها الفني إلى الجدل لفقهي والديني، وكان الخميني قد رصد مبلغ 3,3 مليون دولار مقابل قطع رأس الروائي.
شسلمان رشدي مازال إلى اليوم مطاردًا، حتى أنه كتب في مذكراته تحت عنوان “جوزف أنطون” “أنا مكمم ومسجون .. لا يمكنني حتى الحديث. أريد أن أركل كرة في حديقة مع ابني. حياة عادية مملة: هذا هو حلمي المستحيل”.
وكان السؤال:
هل انتصر الاسلام الخميني بمطاردته لسلمان رشدي؟
يتذكر المخرج الإيراني المعروف كمال تبريزي “أن الثورة الايرانية لم تقم إلا بسبب المكانة الخاصة التي كان رجال الدين يحتلونها سابقا في قلوب الإيرانيين”، ويتابع قائلا: “أما اليوم فقد أصاب هذه الثقة شيء من الوهن”.
هل حقًا أصيب الايرانيون بالوهن؟
ما الذي بقي للإسلام؟
يتساءل الكثيرون:
وهذه بعض الوقائع التي تحمل اجاباتها:
ـ قبل منع الاختلاط في المدارس والجامعات أعقاب الثورة الخمينية كان الشباب المدرسي والجامعي لا يمارس الجنس إلا بعد 3 شهور من التعارف في المتوسط. أما بعد منع الاختلاط فأصبح يمارسه منذ اللقاء الأول.
ـ في عهد الشاه كان معدل البغاء في إيران أقل بكثير من المعدلات العالمية. أما بعد فرض الحدود الشرعية العتيقة فقد تحولت إيران، بشهادة صحافتها، إلى ماخور بلا جدران تُمارس فيه كل ألوان “الرذيلة” تحت سمع وبصر ميلشيات “الفضيلة”!
ـ يرفض سائقو التاكسي التوقف لنقل رجال الدين.
ـ منذ السنوات 1990 لم يعد اسما علي والحسين شائعين بين المواليد الجدد. فقد عُوضا باسمين وثنيين : داريوش وأراش في عودة إلى الأسماء ما قبل الإسلامية، حتى ارغمت الحكومة الايرانية بمنع إطلاق أسماء غير إسلامية على المواليد الجدد.
ـ تركت غالبية المؤمنين خاصة في المدن شعائر الإسلام. الجامع الذي كان يصلى فيه، في عهد الشاه، بين 3 و5 آلاف مصل لم يعد يصلي فيه إلا 15 صلاة الصبح و25 صلاة الظهر. ولأول مرة عرفت إيران ظاهرة الجوامع والمساجد الفارغة من المصلين.
سنة 2000 كشف نائب رئيس بلدية طهران، حجة الإسلام علي زم، في تقرير البلدية السنوي أن 75% من الشعب و 86% من الطلبة تركوا الصلاة.
في ختام ولايته، اعترف الرئيس خاتمي للسفير الألماني بأن نسبة من يصومون رمضان هي 2% فقط وكانت في عهد الشاه أكثر من 80%.
أجرت المستشرقة الفرنسية ، مارتين غوزلان، تحقيقاً عن الثورة الإسلامية نشرته الأسبوعية الفرنسية “ماريان” عنوانه الفرعي “30 عاماً من الثورة الإسلامية: 30% من الملحدين”! النسبة هائلة في مجتمع إسلامي شبه تقليدي خاصة، إذا علمنا أن 25% فقط من الأوربيين يقولون أنهم لا دين لهم و6% فقط يقولون أنهم “ملحدون مقتنعون”.
ختمت مارتين غوزلان تحقيقها بالقول:”ألا يحق لرئيس “اتحاد الملحدين بفرنسا” أن يصرخ مبتهجاً: “مرحباً بالثورة الإسلامية حتى في فرنسا” حيث نسبة الملحدين أقل بكثير منها في الجمهورية الإسلامية!”
على أعقاب نشر شارلي أبيدو لرسومها الكاريكاتيرية 2006 كان حسن نصرالله ، كان قد أكد في كلمة أمام الآلاف من أنصاره في الضاحية الجنوبية أنه “لو قام مسلم ونفذ فتوى الإمام الخميني بالمرتد سلمان رشدي، لما تجرأ هؤلاء السفلة على أن ينالوا من الرسول؛ لا في الدنمارك ولا في النرويج ولا في فرنسا”!
الآن، وغداة جريمة “شارلي إبيدو”، يعتبر حسن نصرالله أن “الجماعات الإرهابية التكفيرية أساءت إلى الإسلام أكثر من الكتب والرسوم والأفلام التي أساءت إلى النبي محمد، على مر التاريخ”.
ما الذي تغيّر ما بين الأمس واليوم، وقد كانت المحاولة الوحيدة والفاشلة لتنفيذ فتوى الامام الخميني باغتيال سلمان رشدي قد وقعت على يد مصطفى محمود مازح العضو في حزب الله؟.
ـ هل هي استراتيجية جديدة ضمن مشروع اعتماد الغرب للنموذج الاسلامي الشيعي المنضبط، فيما سيكون النموذج الإسلامي السني نموذجًا منفلتًا؟
هل هو الصراع التركي / الإيراني على زعامة العالم الإسلامي .. الأول بمعاداة الغرب والثاني باسترضائه؟
ماقبل شارلي أبيدو لن يكمون ما بعده.. تلك توقعات قد تفتح صراعًا كبيرًا، سيكون مفتوحًا على الكثير من الدماء.. تلك هي التوقعات
فشارلي أبيدو قد تكون تلك الشّجرة التي تُخفي وراءَها غابةً من رُدود الأفعال العنيفة في عنف وعنف مضاد.