هل نعيش لحظة اختراق تاريخي؟ أم نُعيد إنتاج فشل مؤجل؟

نبيل الملحم

في لحظة سياسية مفعمة بالاضطراب، يعود دونالد ترامب إلى واجهة الشرق الأوسط وقد حمّل مبعوثه توم براك مشروعه (وكان متوقعاً لمن يقرأ دونالد ترامب):

ـ سلام بين إسرائيل من جهة، وسوريا ولبنان من جهة أخرى.

مشروع حتى زمن قصير مضى كان أقرب إلى الخيال، لكنه يتقدّم ، مدعومًا برفع العقوبات عن سوريا، وضغوط متزايدة على لبنان، وتفاهمات أمنية متقدمة خلف الكواليس.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم:
ـ هل نحن أمام صفقة سياسية كبرى يعقدها ترامب لأغراض انتخابية؟ أم أمام فرصة نادرة لتسوية تاريخية قابلة للبقاء؟

الانفتاح الأمريكي على دمشق لم يكن مجانيًا.. رفع العقوبات جاء مشروطًا بانفتاح سياسي وأمني، وعلى رأسه فتح قنوات مباشرة مع إسرائيل.. في الخلفية، تسوية محتملة حول الجولان، وإن كانت مشروطة بصمت سوري لا باعتراف متبادل.

النظام السوري، الذي يقوده رئيس جديد بعد حقبة دامت أكثر من خمسة عقود، يدرك أن تثبيت شرعيته دوليًا يمر عبر البوابة الأمريكية، ولا يُستبعد أن يكون هذا “السلام الممكن” هو الثمن الجديد للخروج من العزلة وتثبيت الكرسي.

هذا عن سوريا، أما لبنان، المنهك سياسيًا واقتصاديًا، فلابد أنه يقف أمام معادلة شديدة التعقيد، فمطلب السلام يصطدم بدور حزب الله، وبمعادلة “المقاومة”، وبحدود بحرية لا تزال قيد التفاوض، ومع ذلك، تُطرح اليوم اتفاقيات تقنية، تستهدف ترسيمًا نهائيًا للحدود، وضمانات اقتصادية للاستفادة من الغاز البحري.

في خلفية هذه المعادلة: تطمينات أمريكية غير معلنة بأن اتفاقًا جزئيًا مع لبنان قد لا يتطلب اعترافًا سياسيًا كاملًا، بل “حالة من التعايش الأمني”، قد تكون كافية في المرحلة الأولى.

الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، لا تنظر إلى هذا السلام كتنازل، على العكس، هو تثبيت لمعادلة الأمر الواقع:

ـ لا انسحاب من أراضٍ محتلة، ولا التزامات مؤلمة، مقابل اعتراف سياسي أو تعاون أمني أو فتح آفاق استثمارية.

بهذه الصيغة، يتحول السلام إلى عملية إدماج تدريجي للدول العربية في المنظومة الإسرائيلية، لا بوصفها أطرافًا متكافئة، بل بوصفها كيانات تبحث عن الاستقرار بأي ثمن.

بالنسبة لترامب، فإن تسويق هذا الاتفاق المحتمل يحمل بعدين:
ـ انتخابي وتاريخي.
فمن جهة، يسعى لتقديم نفسه كصانع سلام يتفوق على أسلافه، ومن جهة أخرى، يرى أن فرضيات القوة والسيولة الجيوسياسية في المنطقة تتيح ما لم يكن ممكنًا قبل سنوات.

لكن هذا السلام، إن تحقق، سيكون بلا ذاكرة، وبلا معالجة حقيقية لجذور الصراع، بل سيكون نسخة مكررة من “اتفاقيات إبراهيم”، حيث تُؤجل العدالة لصالح الاستقرار، وتُهمّش القضية الفلسطينية لصالح معادلات أمنية طارئة.
في الخلاصة:

ما يُطبخ اليوم في واشنطن والرياض وتل أبيب ليس مشروع سلام تقليدي، بل صفقة كبرى تعيد تعريف مفردات الصراع في المنطقة، سلام بلا انسحابات، بلا عدالة تاريخية، وبلا تسوية سياسية شاملة، هو مجرد هدنة طويلة الأمد، قد تهيئ لانفجارٍ جديد.

لكن في المقابل، قد يفتح هذا المسار، بما يحمله من تسويات جزئية، نافذة لتفكيك الألغام الإقليمية، وتمهيدًا لإعادة تعريف توازنات القوة.

ويبقى السؤال مفتوحاً:
هل نعيش لحظة اختراق تاريخي؟ أم نُعيد إنتاج فشل مؤجل؟

Exit mobile version