ستة عشر عاما على اختطاف العراق من قبل إيران بكافة الطرق السياسية والاجتماعي وصولاً للعسكري والميليشياوية، ستة عشر عاماً، يبدو أنها لم تكن كافية لإيران الجاهدة لتغيير هوية شعبه العربية، على الرغم من كافة عمليات الضخ الإعلامي، وغسيل الأدمغة، التي حاولت طهران ممارستها لبناء إمبراطوريتها القديمة من جديد، عبر وكلائها السياسيين ورجال الدين.
يوم الخامس والعشرين من تشرين الأول- أكتوبر، ووفقاً لدعوات الناشطين العراقين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ كان يوماً مفصلياً في تاريخ العراق، لا سيما مع العودة للتظاهر بكثافة من جديد وأوج تلك المظاهرات في العاصمة بغداد وصولاً إلى كامل التراب العراقي، ضد السلطة الحاكمة والفساد وتزوير الهوية العراقية وخطف الدولة عبر حكومات الظل.
احصائيات دامية
شهد العراق، احتجاجات واسعة، منذ يوم الخميس، و حتى اللحظة، وسط محاولات من قبل الأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية لإيران بقمع المظاهرات، حيث استخدم الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وغيرها من وسائل القمع، متسببة بمقتل أكثر من 60 شخصا، فضلاً عن سقوط أكثر من 2000 جريح منذ أمس الجمعة وحتى الآن .
طائفية من الماضي
الناشطون وفي دعواتهم أكدوا أن سياسة الاعتقال أو القتل الممنهج عبر القنص، لم تعد كافية لمنع العراقيين من ممارسة حقهم في التظاهر على أرضهم، واختيار سلطتهم الحاكمة عبر صناديق الاقتراع، وليس وفق توكيلات تمنحها إيران للفرق العراقية، حيث كتب الناشط العراقي “كرار” على تويتر: “ما أدري ليش أهتف ضد عراقي يقوم يقتنلي إيراني، هذي بلدنا لو طهران؟، اقتلوا واقنصوا واعتقلوا، هذه البلاد لها رجالها”.
كما أضاف “كرار”: “لو تنشرون كل كناصتكم، هم حنا نريد الإصلاحات والحياة الكريمة، لو نريد ندخل المحتل مثل ما سووا عصابة إيران؟”.
من جهة أخرى، عبر عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم لاستخدام الخطاب الديني ضد المتظاهرين واللعب على شعارات الدين والعواطف لمنع الشعب من المشاركة في الحركات الاحتجاجية، فقد غردت الناشطة “ميادة” على موقع تويتر تحت وسم “إرفع علم العراق”: “بكرة يكولون الحسين وحنا أحفاد والحسين وآل والبيت، بيلي يرحم والديكم شنو يضر الحسين لو عشت اني وعيالي عيشة زينة ببلادنا، ترى الي يصير بينا كلش ما يرضي الحسين ولا كفار قريش”.
إلى جانب ذلك، غرد الناشط “عمر الرضى”: “يريدونها سنة وشيعة وكله فدوة لعيون أبو إسراء “نوري المالكي”، يابا حنا والله عراقيين نريد حكومة تخاف الله بينا”، وكتب في تغريدة أخرى: “ريا وسكينة”، مرفقاً التغريدة بصورة لزعيم تيار الحكمة المقرب من إيران “عمار الحكيم” وزعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر”.
استنفار غير مسبوق والداخلية تعلن النفير العام
تصدر قبل أيام، هاشتاغ “العراق ينتفض” لمواقع التواصل الاجتماعي، وتصاعد الدعوات للتظاهر، دفع وزارة الداخلية العراقية لوضع عناصرها ضمن إطار حالة “الإنذار القصوى”، حيث أصدرت تعميماً على كافة منتسبيها وألويتها بوجوب الجهوزية بنسبة مئة بالمئة مع حلول يوم الخميس 24.10.2019 وحتى إشعارٍ آخر، في إشارة إلى أنها تتخذ الدعوات وتصاعد المظاهرات على محمل الجد.
عمائم على خط الأزمة
بعد عمليات القنص والقتل والاعتقال، أشار الناشطون العراقيون إلى أن إيران عادت مجدداً للاعتماد على رجال الدين في محاولة منها لركب الموجة وقيادة دفة المظاهرات بعيداً عن المساس بمصالحها، حيث دخل رجل الدين المقرب من الحرس الثوري الإيراني ورئيس تيار الحكمة “عمار الحكيم” على خط المظاهرات من جديد، مطالباً بخفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب وكبار المسؤولين وإطلاق سراح الناشطين.
إلى جانب ذلك، أشار “الحكيم” قائد ميليشيات “فيلق بدر” إحدى أكبر الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران؛ إلى أن المرجعية الدينية العليا لطالما نادت بإجراءات لطمأنة الشارع العراقي إلى وجود خطوات جادة لإصلاح الوضع المتأزم، متجاهلاً المطالبات الشعبية بفك الارتباط عن إيران وحرسها الثوري، خاصةً بعد أن تحولت المدن العراقية إلى مسرح لهجمات الطائرات المسيرة خلال الأشهر القليلة الماضية والتي استهدفت ميليشيات إيران هناك.
وفي الوقت الذي لم يتطرق فيه لمسألة قنص المتظاهرين عبر عناصر إيرانية في العراق وفقاً لما أظهرته نتائج التحقيقات العراقية والتي اتهمت صراحة أحد قياديي ميليشيات الحشد الشعبي الذي يضم عناصر من فيلق بدر التابع لتيار الحكمة، أبدى “الحكيم” تعاطفاً مع الناشطين المختطفين في العراق، معتبراً أنها ظاهرة تشير إلى الاستخفاف بهيبة الدولة، مطالبًا بكشف مصير الناشط الطبيب الدكتور “ميثم الحلو”، متناسياً أن بعض تلك الاعتقالات نفذها أفراد ميليشيات تابعة له، على حد قول بعض الناشطين والمعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت الحكومة العراقية قد أجلت بشكلٍ مفاجئ إعلانها لنتائج التحقيقات حول أعمال العنف التي ترافقت مع اندلاع الحركات الاحتجاجية في مناطق متفرقة من العراق وعلى رأسها العاصمة بغداد، والتي تسببت بمقتل عشرات المتظاهرين السلميين.
مكتب رئيس الحكومة العراقية “عادل عبد المهدي” من جهته، أشار إلى أنه اطلع على نتائج التحقيقات، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة فضل التريث قبل إعلانها وعدم الإدلاء بأي تصريح أو تسريب لمعلوماتها، والشخصيات المدانة بالتحقيق.
إلى جانب ذلك، أكدت مصادر عراقية مطلعة أن التأجيل جاء بسبب ضغوطات سياسية كبيرة تمارس على “عبد المهدي”، خاصة وأن التحقيقات وجهة تهمة التورط بقتل المتظاهرين لضباطٍ رفيعي المستوى، مضيفةً: “مسألة الإعلان عن النتائج مرتبطة حالياً بقرار شخصي من رئيس الحكومة”، ما أثار جدلاً وغضباً في الشارع العراقي.
إيران تعاني
أفادت مصادر محلية في العراق، السبت، أن متظاهرين في مدينة كربلاء العراقية، حاصروا القنصلية الإيرانية ورددوا هتافات مناهضة لطهران، وذلك على خلفية اتهام إيران بدعم ميليشياتها المتواجدة في العراق للقضاء على الحراك الشعبي من خلال القوة المفرطة التي تستخدمها الميليشيات ضد المحتجين.
وبحسب المصادر، فإن المتظاهرين وصولوا إلى القنصلية الإيرانية، ورفعوا العلم العراقي فوق المبنى الخاص فيها، بمدينة كربلاء جنوبي العراق، وذلك قبل أن ينسحب قسم منهم إلى ساحة الاعتصام.
من هو “أبو زينب اللامي”؟
الحديث عن عمليات قنص المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي شهدها العراق قبل سبعة أيام، لم يقتصر فقط على توجيه التهمة لإيران، وإنما حددت وسائل إعلام غربية هوية المسؤول عن قنص المتظاهرين، مشيرة إلى أنه قيادي في ميليشيات الحشد الشعبي الموالي لإيران يدعى “أبو زينب اللامي”، موضحةً أنه أهم حلقة ربط بين الميليشيا والحرس الثوري الإيراني.
مسؤولية “اللامي” عن أعمال القتل ووفقاً للوسائل الإعلامية؛ تمثلت بإصدار أوامر مباشرة لقناصته باستهداف عناصر الأمن والمتظاهرين على حد سواء، مؤكدة أنه القيادي المذكور يدير مؤسسة “الأمن”، والتي تعتبر أهم مديرية حساسة داخل هيئة الحشد.
واستندت التقارير، إلى شهادات اثنين من المسؤولين الأمنيين العراقيين “دون الكشف عن هويتهما”، إذ أكدت المصادر أن “اللامي”، كان المسؤول المباشر عن عمليات قنص المتظاهرين.
ووفقاً للتقارير، فإن القيادي المتهم بقتل المتظاهرين ينتمي إلى محور ولاية الفقيه المعروف بولائه الشديد لإيران، بالإضافة إلى أنه من أكثر المقربين من مراكز اتخاذ القرار في طهران ووكلائها في العراق وعلى رأسهم الملقب بـ”أبو مهدي المهندس”.
ليبقــى السـؤال المصـيري بانتظـار الجـواب… هـل سيعود العراق عربياً مـن جـديـد؟
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي