مرصد مينا – هيئة التحرير
غموض وضبابية يخيمان على المشهد السياسي في تونس، انفلات برلماني، سباب وشتم واعتداءات مادية ولفظية وفولكلور من أتعس ما يكون؛ لا أحد اليوم يمكنه أن يتكهن بما يمكن حقا أن يحصل في قادم الأيام في ظل ما هو حاصل اليوم.
وفي الوقت الذي بادر فيه رئيس الدولة، قيس سعيد، بمراسلة الائتلافات والكتل البرلمانية مثلما يقتضيه الفصل 89 من الدستور التونسي، من أجل التشاور وتكليف رئيس حكومة جديد في غضون الشهر، إلاّ أن حل الأزمة السياسية والخروج منها بأخفّ الأضرار لا يبدو سهلا بالمرة. وفي ظل كل ما يحدث هناك سيناريوهات مطروحة اليوم ومن بينها حلّ البرلمان، والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة. حيث لوح قيس سعيد، بالتدخل لوقف الانفلات الذي يجري في البرلمان، دون أن يفسر الخطوة التي قد يلجأ إليها. لكن يبدو أنه يلوح بحل البرلمان الذي بات يعيش حالة من الفوضى والانفلات ويثير غضب الشارع التونسي.
إذ صرح انه لن يترك البرلمان يعيش حالة من الفوضى وقد يستخدم حقوقه الدستورية. مشيراً إلى أن البلاد تعيش أخطر وأدق اللحظات في تاريخها، وقال إن “الوسائل القانونية المتاحة في الدستور التونسي، موجودة لدي اليوم بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها”. فهل يمكن اعتبار هذه الرسائل هي استجابة لمطالب شق كبير من التونسيين الذين طالبوا بحل البرلمان؟
ومنذ فترة، طالبت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية واجتماعية وشخصيات مستقلة بتدخل الرئيس سعيد، لاتخاذ قرار بحل البرلمان، وفق ما تخول له صلاحياته الدستورية، ووقف مهزلة الصراع بين الخصوم السياسيين، خاصة بعد أن أدت تلك الصراعات إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، والاستمرار في إدارة حكومة تصريف الأعمال لفترة معيّنة. وأكد قيس سعيد، أنه ليس في صدام مع أيّة جهة بل يعمل في نطاق القانون لتحقيق إرادة الشعب، في رد مباشر على اتهامات يوجهها إليه أنصار حركة النهضة على مواقع التواصل الاجتماعي، متهمين رئاسة الجمهورية بالوقوف وراء ما يجري في البرلمان لإظهاره في صورة مؤسسة فاشلة، وتمهيد الطريق أمام حله. وانتقد الرئيس سعيد البرلمان في الكثير من المرات، فيما يقول أنصاره على مواقع التواصل إن ما يجري يخدم خطط الرئيس لحل هذه المؤسسة الفاشلة وفتح الباب أمام انتخابات جديدة على قاعدة مغايرة تفضي إلى بناء مؤسسة ممثلة للشعب على نطاق واسع.
تجاذبات سياسية
وقد وصلت التجاذبات بين الأطراف السياسية المختلفة، إلى أقصى حدود لها. فمكوّنات الائتلاف السابق في حكومة الفخفاخ، أيّ حركة الشعب والتيار الديمقراطي وحركة تحيا تونس وكتلة الإصلاح، أصبح من غير الممكن أن تلتقي ثانية حول أيّ مشروع حكم مع حليفها السابق حركة النهضة بعد أن بلغ الصراع مداه. وهو ما يستبعد نهائياً ما سمي بحكومة وحدة وطنية أو ذات الحزام الواسع أو حتى حكومة تكنوقراط خاصة وأن النهضة قد صنّفتهم كأعداء سياسيين. ولم يبق لهذه الاخيرة من حليف سوى قلب تونس وائتلاف الكرامة.
ويرى متابعون ومحللون ان حركة النهضة تسعى بكل ما اوتيت من ثقل لتجنب الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها بالنظر الى تراجعها في نتائج سبر الآراء. بينما تشير الاحصائيات والنتائج الى ان قلب تونس وهو حليف النهضة الحالي قد يندثر اصلا.
ستعمل كل من حركة النهضة مدعومة بحليفها الرئيسي قلب تونس بكل جهد لتجنّب كابوس الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، فأغلبية نتائج سبر الآراء تشير إلى أن حركة النهضة لن تكون القوة الأولى في البرلمان القادم إذا حدثت انتخابات تشريعية الآن، وأن قلب تونس قد يندثر نهائيا من المشهد النيابي على غرار كتل وأحزاب مثل تحيا تونس والمستقبل والإصلاح. في المقابل، ستكون عبير موسي وحزبها العدو اللدود لحركة النهضة أكبر المستفيدين. هذا مع صعود مرتقب وقوي لحزب يدعمه رئيس الجمهورية، في حال قرر ذلك، في حين تشير الأرقام إلى محافظة كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب على رصيدهما الحالي.
فرص الانتقام
كل هذه الحقائق لا تغيب عن حركة النهضة، أثناء تشكيل الحكومة القادمة التي ستعوض حكومة الفخفاخ. لذلك سيسعى كل من راشد الغنوشي، ونبيل القروي إلى إيجاد التبريرات لعدم اعتراض حكومة الرئيس الثانية، وربما الدعوة للتصويت لها ومنحها الثقة تحت أكثر من مسوّغ مثل العمل على خروج البلاد من أزمتها، وذلك لتفادي حل البرلمان والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة.
في الأثناء تتفاقم الأزمة الاقتصادية يوماً بعد يوم، وتتفاقم معها الأزمة الاجتماعية التي ولّدت خلال الفترة الماضية احتقاناً اجتماعياً، تُرجِم إلى احتجاجات في أكثر من منطقة من البلاد. ومع تراجع المقدرة الشرائية للمواطنين وتدهور الخدمات العامة، وارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب، تدهورت صورة الأحزاب السياسية لدى التونسيين وخاصة في صفوف الشباب. وينتظر أن تمثل المحطات الانتخابية القادمة وخاصة الانتخابات التشريعية إذا جرت في الفترة القادمة فرصة للانتقام من الأحزاب التي يحمّلها الكثير من التونسيين مسؤولية الأزمة والصراعات السياسية.
خطر داهم
وعن مسالة حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، علّقت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، إن رئيس الجمهورية لديه هامش هام من السلطة التقديرية للوضع الذي يستوجب اللجوء إلى الفصل 80 من الدستور، متابعة، هنالك حديث عن خطر داهم مهدد لأمن البلاد، وعن تعطل السير العادي لدواليب الدولة.. وقالت إن في تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة تمهيدا للإعلان عن اللجوء لهذه التدابير.
واعتبرت أستاذة القانون الدستوري، أن اللجوء للفصل 80 مسألة خطيرة جداً، ويخول لرئيس الجمهورية التّدخل في مجال المشرّع وفي اختصاصات رئيس الحكومة، واتخاذ جميع التدابير مهما كانت طبيعتها، قائلة إن استعمال هذا الفصل يعني تعليق العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو سلطة جبّارة لدى رئيس الجمهورية.
الفصل 80:
وجاء في الفصل 80 أنه، لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة رئيس البرلمان وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب.