مرصد مينا
مازال الجدل مثارا حول مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين، رغم التراجع التدريجي لفكرة هدمها ونقلها من قبل السلطات إلى ما تسمى “مقبرة الخالدين”، إلا أن إنشاء جسر فوق المقبرة، عاد وأثار حفيظة أدباء وكتاب وباحثين.
يشار أن رفات طه حسين (1889- 1973) يرقد في منطقة مقابر قرافة سيدي عبد الله بحي الخليفة، بمنطقة تاريخية وسط العاصمة المصرية القاهرة.
مها عون، حفيدة طه حسين، كانت قالت إنهم يفكرون في نقل رفاته خارج مصر، بسبب الأنباء الخاصة باحتمالية إزالة مقبرته، من قبل محافظة القاهرة، إلا أن عملية إزالة المقبرة لم تتم لكن أقيم مشروع الجسر الجوي فوقها، في وقت لم يتضح بعد ما إن كانت ستتم نقل الرفات إلى المقبرة الجديدة من عدمه.
وتقول السلطات، إن المشروع كان منذ البداية إنشاء محور علوي أعلى المقابر وليس محورا على الأرض، لذلك لم يتم هدم المقبرة، أو حتى إنشاء عمود داخل المدفن ضمن أعمال بناء الكوبري.
مدحت صفوت الكاتب والناقد الأدبي الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية يقول بحسب وكالة “سبوتنيك” “كانت هناك حلول هندسية للحيلولة دون إقامة جسر أو كبري فوق المقبرة، حلول تتفادى المقابر التاريخية التي تضم رفات شخصيات ثقافية مثل طه حسين وغيره”، مضيفا: “فكرة أن تصبح مقبرة عميد الأدب العربي تحت كبري بهذا الشكل، غير مقبولة (..) وأقول إن طه حسين كان لا بد من التعامل معه في مصر على الأقل بلده- بشكل يليق به في ذكراه الخمسين”.
وينحدر طه حسين من أسرة فقيرة في إحدى قرى محافظة المنيا في صعيد مصر الأوسط، لم يمنعه فقدانه البصر وهو بعمر 4 أعوام من خوض غمار رحلة علمية وأدبية شيقة بدأت في جامعة الأزهر مرروا بالجامعة الفرنسية، قبل عودته عميدا للجامعة المصرية فوزيرا للمعارف.
يقول معاذ لافي، أثري وباحث متخصص في فلسفة العمارة: “لدى طه حسين انتشار واسع بين طبقات المجتمع والنخبة في مصر وبالتالي تم الإنصات إلى هذا الرأي، ثم الإبقاء على المقبرة ولم يتم إزالتها مثلما كان مقررا مثل المقابر التي جوارها، لكن تم عمل الكبري من فوقها”.مشيرا إلى أن القرار اتخذ “رغم أن قانون حماية التراث الخاص باليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ) ينص على فكرة الحفاظ على القاهرة التاريخية والشكل العمراني بحيث لا يتم تجزئته من خلال الكباري والإنشاءات الكثيرة”.
ويشير إلى أنه حتى لو كان رأي الحكومة أن ما حدث لا يمس “الآثار المسجلة”، لكن “للأسف الشديد هذا يمس الكثير من المعالم المهمة، بما في ذلك تلك المعالم التي لها بعد تراثي في العمارة، صحيح أنه ليس هناك من نمط معماري معين للمقبرة، لكن صاحبها له ثقل تاريخي في المجتمع المصري”.
ونحو مزيد من التوضيح يقول لافي: “المسألة ليس لها علاقة بالشكل والجماليات بقدر ما لها علاقة بنسيج مهم يجب الحفاظ عليه كما هو، بل بالعكس تطويره بشكل علمي من خلال ترميمه عند الحاجة، ومعالجة المياه الجوفية المنتشرة في بعض أجزاء المقبرة، وعمل زيارات متتالية وتنشيط سياحي له وتسليط الضوء عليه”.
ويلفت الأثري والباحث المتخصص في فلسفة العمارة إلى أن “كل هذه الحلول كان يجب أن تتم في المقبرة وليس العكس.. الحلول هي أن أطور المنطقة وأحافظ عليها كما هي، مثلما يقول اليونسكو. والحكومة المصرية بالمناسبة موافقة على هذا الكلام ممثلة في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري”.
لافي يصف فكرة “مقبرة الخالدين” بـ “غير الجيدة”، ويضيف “إنها قريبة الشبه حرفيا بأن تحاول إدخال جمل في حجر فأر، لأنك تريد الآن أن تنقل كل النسيج العمراني والقباب والشواهد لوضعها في مكان واحد مجتزأ ويقدم معلومة سياحية هامشية وسريعة وسياحية مكيفة، لمن يزور المكان بشكل ترفيهي”.
ويتساءل الأثري والباحث المتخصص في فلسفة العمارة: “لكن ماذا بشأن السكان هل سيتم نقلهم؟ هل سيتم نقل الشوارع والحارات وكل شواهد القبور؟ سؤال مهم آخر ما هو معيار اختيار الشخصيات التايخية التي ستنقلها؟”.
ويمضي موضحا تساؤلاته “ليكن عندنا مثلا ألف شخصية تاريخية، سيكون من المستحيل أن تنقلها كلها وستكتفي باختيار 200 أو 300، ما هو المعيار وعلى أي أساس تقدم فلان وتؤخر آخر؟”.