مرصد مينا – هيئة التحرير
اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية، أمس الأربعاء، أن هونغ كونغ لم تعد تتمتع بالحكم الذاتي، ما يمهّد الطريق أمام إعادة النظر بالامتيازات التجارية الممنوحة لهونغ كونغ، وذلك في رد قوي على مشروع قانون الأمن القومي الجديد الذي تنوي الصين فرضه في المنطقة.
وفي مؤشر إلى عودة التوترات في المستعمرة البريطانية السابقة، سجل انتشار أمني كثيف في محيط البرلمان وتم توقيف مئات الأشخاص في محاولة لمنع النشطاء المطالبين بتعزيز الديمقراطية من التظاهر ضد التصويت على مشروع قانون آخر يجرّم الإساءة للنشيد الوطني الصيني.
تصعيد وتصعيد مضاد
إلا أن التصعيد الأكثر حدة في هذه المسألة جاء بتبني تبنى البرلمان الصيني بشبه إجماع، ، قانونا مثيرا للجدل حول الأمن القومي في هونغ كونغ، أعد ردا على التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المستعمرة البريطانية السابقة العام الماضي.
وفي خطوة كانت متوقعة، تبنى النواب البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف في الجمعية الوطنية الشعبية، الإجراء الذي يثير أساسا غضبا في المنطقة التي تتمتع بشبه حكم ذاتي ودفع الولايات المتحدة إلى بدء إجراءات فرض عقوبات على بكين.
وفي وقت سابق، اشتبكت الولايات المتحدة مع الصين في أروقة الأمم المتحدة بسبب هونغ كونغ، أمس الأربعاء، بعدما عارضت بكين طلبا من واشنطن بانعقاد مجلس الأمن الدولي لمناقشة خطة الصين فرض تشريع جديد للأمن القومي في هونغ كونغ.
بموجب إجراءات جديدة سارية خلال فترة انتشار فيروس كورونا المستجد، تنظم كل اجتماعات مجلس الأمن عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، على أساس توافق بين الدول الـ15 الأعضاء. في الأوقات العادية، يمكن لكل عضو في المجلس أن يعارض عقد اجتماع إذا نال 9 أصوات من أصل 15 خلال تصويت إجرائي.
البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة قالت بيان إن “الولايات المتحدة قلقة جدا من أعمال البرلمان الصيني التي تقوض بشكل كبير الدرجة العالية من الحكم الذاتي والحريات المنبثقة عن الإعلان الصيني – البريطاني لعام 1984 المسجل كمعاهدة لدى الأمم المتحدة”.
وأضاف البيان “أنها قضية عالمية ملحة لها تداعيات على السلام والأمن الدوليين” مشيرا إلى أن الولايات المتحدة طلبت نتيجة لذلك اجتماعا افتراضيا لمجلس الأمن، موضحة أن أن الصين “رفضت انعقاد هذا الاجتماع الافتراضي”، منتقدة ما وصفته بنقص “الشفافية والمسؤولية الدولية عن أعمالها”.
وفي “تغريدة” صدرت عنه مساء أمس، الأربعاء، وصف السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، طلب عقد اجتماع بأنه “لا أساس له”.
وقال إن “مشروع القانون حول الأمن الوطني بشأن هونغ كونغ يقع حصرا ضمن الشؤون الداخلية الصينية، وليس له أي علاقة بتفويض مجلس الأمن”.
ورد جون “الوقائع تثبت مرة بعد أخرى أن الولايات المتحدة هي من يثير المشاكل في العالم. الولايات المتحدة هي من انتهكت التزاماتها بوجب القانون الدولي. إن الصين لتحث الولايات المتحدة على أن توقف فورا سياسة القوة وممارسات التنمر”.
يتزامن الطلب الأميركي مع تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين بسبب جائحة كورونا. إذ عكفت واشنطن على التشكيك في شفافية الصين بخصوص تفشي الفيروس الذي ظهر أولا في مدينة ووهان بالصين أواخر العام الماضي، في حين قالت الصين إنها تحلت بالشفافية.
الغاء من الخريطة السياسية
وكانت الولايات المتحدة قد اعتبرت في وقت سابق الأربعاء أن هونغ كونغ لم تعد تتمتع بالحكم الذاتي الذي وعدت به الصين، ما يمهّد لإعادة النظر بالامتيازات التجارية الممنوحة للمستعمرة البريطانية السابقة، وذلك في رد قوي على مشروع قانون الأمن القومي الجديد الذي تنوي الصين فرضه في المنطقة.
القانون الصيني الجديد يرى فيه كثر، أخطر مساس حتى اليوم بالحكم الذاتي الذي تتمتع به هونغ كونغ، ومحاولة لنسف حرية التعبير وقدرة المدينة على إعداد قوانينها الخاصة.
يخشى معارضو النص أن تدرج فقرة فيه تسمح لرجال الأمن الصينيين بإجراء تحقيقات في هونغ كونغ مع نظرائهم في المدينة. ويرى كثر في ذلك مقدمة لقمع أي معارضة فيها.
ويخشى معارضو القانون الصيني أن إدراج فقرة فيه تسمح لرجال الأمن الصينيين بإجراء تحقيقات في هونغ كونغ مع نظرائهم في المدينة. ويرى كثر في ذلك مقدمة لقمع أي معارضة فيها.
والأربعاء، أبلغ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الكونغرس، أن هونغ كونغ لم تعد تتمتع بالحكم الذاتي تجاه بكين، ما يجرّد هذا المركز المالي من حقوقه التجارية المميزة المنصوص عليها في القانون الأميركي.
وقبل ساعات من التصويت في بكين على قانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ، أبلغ وزير الخارجية الأميركي الكونغرس بأن الصين لا تفي بالالتزامات التي تعهّدت بها قبل استعادة هذه المنطقة من بريطانيا في العام 1997.
وجاء في بيان بومبيو أن “هونغ كونغ لم تعد مؤهلة للمعاملة نفسها التي كانت القوانين الأميركية تكفلها لها قبل تموز/ يوليو 1997″، وتابع بومبيو “ما من شخص عاقل يمكنه أن يؤكد اليوم أن هونغ كونغ لا تزال تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي إزاء الصين، نظرا للوقائع على الأرض”.
بموجب قانون أقره الكونغرس الأميركي العام الماضي لدعم الحركة المطالبة بتعزيز الديمقراطية في هونغ كونغ، يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تؤكد استمرار الحكم الذاتي في هذه المنطقة لكي تحظى بالوضع المميز في التعامل التجاري مع الولايات المتحدة.
لا يفصل المتابعون لتطورات العلاقات الأمريكية الصينية بينا أزمة هونغ كونغ والحرب التجارية بين البلدين والتأزم السياسي غير المسبوق بفعل تداعيات كورونا، وهم لا يستبعدون أن ما يحدث في هونغ كونغ هو تمهيد استباقي لساحة معركة لاشك أنها واقعة بين الجانبين.
.وفي تايوان التي تحكم ذاتيا، تعهدت رئيستها تساي إنغ-ون بإطلاق “خطة عمل” إنسانية لمساعدة الناشطين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ، مع تدفق العديد منهم إلى تلك الجزيرة بحثا عن ملاذ آمن.
وقالت الرئيسة للصحافيين إنّ “تصميمنا على رعاية مواطني هونغ كونغ لم يتغير”، وتابعت “سيضع مجلس الوزراء خطة عمل للمساعدة الإنسانية في هونغ كونغ… لتوفير التخطيط الكامل للإقامة والسكن والرعاية لسكان هونغ كونغ”.
وبموجب مبدأ “بلد واحد، نظامان” تتمتع هونغ كونغ منذ إعادتها إلى الصين في 1997 وحتى 2047، ببعض الحقوق التي لا تعرفها مناطق أخرى في الصين، وخصوصا حرية التعبير ونظام قضائي مستقل. وساهم ذلك في جعل المستعمرة البريطانية السابقة موقعا ماليا دوليا مهما يؤمن للصين مدخلا اقتصاديا إلى العالم.
التاريخ
هونغ كونغ،تقع على ساحل الصين الجنوبيّ، محصورةً ما بين بحر الصين الجنوبي ودلتا نهر اللؤلؤة، وتتميَّز بناطحاتها السحابيَّة الكثيرة ومينائها الفَسِيح. يبلغ عدد سكَّان هونغ كونغ نحو سبعة ملايين نسمة ومساحتها 1,104 كم2، وهي تضمُّ بذلك إحدى أكبر الكثافات السكّانيَّة في العالم. بين سكان المدينة، يتألَّف 93.6% منهم من الصينيّين، والباقون من عرقيَّات متعدّدة، وغالبية السكان هم من قومية الهان الذين تعود أصولهم إلى مدينتي غوغانغزو وتايشان في مقاطعة قوانغدونغ المجاورة.
وقعت المدينة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية في أعقاب حرب الأفيون الأولى (1839-1842)، لتتوسَّع حدودها من جزيرة هونغ كونغ (التي جاء منها الاسم بالأصل وانحصرت المنطقة بها في السَّابق) لتضمَّ مقاطعةً أوسع تشمل شبه جزيرة كولون ثم الأقاليم الجديدة فيما بعد. في منتصف القرن العشرين، تعرَّضت المدينة للاحتلال الياباني أثناء حرب المحيط الهادئ، لكنَّ بريطانيا استعادتها بعد الحرب، وظلَّت مستعمرةً بريطانيَّة حتى عام 1997، عندما أعيدت ملكيَّتها أخيراً إلى الصّين. من جهةٍ أخرى، حازت المدينة طوال العصر الاستعماريّ حرية عالية، فقد كان التدخُّل الحكومي في الاقتصاد والدولة محدوداً، وأثَّرت هذه الفترة بدرجةٍ كبيرة بتشكيل ثقافة هونغ كونغ الحديثة، التي باتت تُعرَف بلقب الشرق يلتقي الغرب.
هونغكونغ، وحتى صباح اليوم الخميس، كانت تتمتع باستقلاليَّة عاليةً ونظاماً سياسياً مختلفاً عن ذاك في البر الصيني، وذلك وفق مبدأ “بلد واحد، نظامان مختلفان” الذي يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي. فللمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز “درجةً من الاستقلالية” في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكريَّة. لدى المدينة نظامٌ سياسيٌّ تعدُّدي مزهر، وتتولَّى اختيار رئيس حكومتها لجنة انتخابيَّة من 400 إلى 1,200 عضو، وسيظلُّ هذا النظام قائماً طوال السنوات العشرين الأولى من الحكم الصيني.
تُعَدُّ هونغ كونغ واحدةً من المراكز الاقتصادية الرَّائدة في العالم، إذ تمتاز باقتصادٍ رأس ماليٍّ مزدهر يقوم على الضرائب المنخفضة والتجارة الحرَّة، وتعتبر عملة المدينة – دولار هونغ كونغ – العملة الثامنة الأكثر تداولاً على مستوى العالم. بسبب صغر مساحة المدينة وكثرة السكَّان، برزت الحاجة إلى بنية تحتيَّة تسمح بكثافة سكانية أكبر، وحوَّلها ذلك المدينة إلى مركزٍ للعمارة الحديثة وجعل منها المدينة الأكثر علوًّا في العالم، كما تسبَّب بتطوير شبكة المواصلات فيها حتى أصبح يعتمد أكثر من 90% من سكَّانها على النقل العام، وهو المعدَّل الأعلى عالمياً. تتميَّز هونغ كونغ كذلك بمراتب دولية متقدِّمة في مجالاتٍ عديدةٍ أخرى، مثل الحرية الاقتصادية وجودة الحياة ومكافحة الفساد والتنمية البشرية وغيرها. ووفق تقديرات الأمم المتحدة ومنظمة الزراعة والأغذية العالمية فإنَّ متوسّط عمر الإنسان في هونغ كونغ أعلى من أيّ منطقةٍ أخرى على وجه الأرض..